بسم الله الرحمن الرحيم
خُلاصة كتاب: عصر المجامع
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة –صـ5، 6. [المجمع الرَّسُولي الأول: (Apostolic Synod). يُسجِّل سفر أعمال الرُّسُل أنَّه انعقد «في أورشليم» برئاسة القدِّيس يعقوب بن حلفا أسقف أورشليم (سنة 53م). وضمّ الرُّسُل، وبعض الكهنة (المشايخ). وقد نادى بعضهم بضرورة اتِّباع الأُمَم (غير اليهود) الدّاخلين للإيمان المسيحي – أولاً – العوائد والطُّقُوس اليهودية، كالخِتان والأعياد اليهودية والطَّعام المُحرَّم والمُحلَّل … إلخ. وممّا أُثير في حينه. وبعد المُناقشة قرَّر المجمع الاكتفاء بالامتناع عن «نجاسات الأصنام، والزِّنا، والمخنوق، والدَّم» (أع 15 : 1 – 20).]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ6. [مجمع أنقرا بغلاطية (بآسيا الصُّغرى) (Ancra):انعقد في عهد مكسيميانوس (أوائل القرن 4) وضمَّ 33 أسقفاً. وكان الموضوع الرَّئيسي ما يُتَّخَذ حِيال الذين ذبحوا للأصنام أو أكلوا من المذبوح لها، خلال اضطهاد دقلديانوس وزميله مكسيميانوس، وطُرُق قُبُول توبتهم. وشروط رسامة الشَّمامسة وتزويجهم عند رسامتهم. والسُّلُوك في الزِّنا والقتل بأنواعه، والالتجاء للسِّحر وعقابه.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ6، 7. [مجمع قرطاجنة (بشمال أفريقية) (Carthage): وضمَّ 50 أسقفاً برئاسة القدِّيس كبريانوس. وكان الموضوع الأساسي هرطقة نوفتيانوس وحرم هذا الهرطوقي، الذي نادى بعدم قُبُول الذين عثروا أيام الاضطهاد، مهما تابوا ! وضع المجمع 15 قانوناً، شدَّدت على عدم الزَّواج بأخَّين أو بأختين بعد موت أحدهما، وكذلك من يتزوَّج بأكثر من واحدة. وعدم رسامة الكاهن قبل سِنّ الثلاثين، وعدم رسامته بعد إيمانه وعماده مُباشرة. وأن يكون لكلّ كنيسة 7 شمامسة. وعقد كبريانوس مجمعاً آخر أيَّد نفس القرارات.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ7، 8. [مجمع سرديكا (Sardica): انعقد سنة 347م, وضمَّ 140 أسقفاً، وقد قاموا ببحث موضوع إرجاع البابا الأنبا أثناسيوس الرَّسُولي إلى كرسيه في الإسكندرية،وميلاتيوس بطريرك أنطاكية، وبولس بطريرك القسطنطينية الذين خلعهم الهراطقة الأريوسيون ونفوهم. فأعادوهم إلى كراسيهم. حدَّد المجمع شُرُوطاً لاختيار الأساقفة وعدم سيامتهم بالرَّشوة أو بالمُجاملة (بالوساطة). وعدم انتقالهم من مدينة صغيرة إلى مدينة كُبرى، ولا يُترك الأسقف كُرسيه أكثر من 3 أسابيع، ويخضع للمطران التّابع له. أن يُختَبر كافَّة درجات الشَّمامسة قبل رسامتهم.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ8، 9. [مجمع أنطاكية (بسوريا) (Antioch): وكان بعد مجمع نقية، وضم 13 أسقفاً، وقيل أنَّه كان لمُحاكمة الهرطوقي بولس السَّمُيساطي السُّرياني الذي أنكر لاهوت المسيح. وقد وضع 25 قانوناً، منها ما يلي: الالتزام بقرارات مجمع نقية المسكوني الأول (325م). ضرورة حُضُور الشَّعب القُدّاس وسماع العِظَة والتَّناول من السِّر الأقدس بانتظام. عدم رسامة أسقف لأحد الإكليروس، خارج كرسيه، أو ضمّ كراسي غيره إليه. أن تكون رئاسة الأسقف للِّجان المالية, والإشراف على أموال الكنائس وأوجه صرفها.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ9، 10. [مجمع اللَّاذقية (بسوريا) (Loadocea): وضمَّ 19 أسقفاً بهدف مُحاكمة المُبتدع «ماني» وغيره. وضع المجمع 59 قانوناً, (وقيل 17), من أهمِّها: حرم من تزوَّج بامرأتين معاً. عدم قيام الكهنة بالإقراض بالرِّبا. عدم مُعاشرة الشَّعب للهراطقة وعدم تزويج الأبناء بهم. عدم جواز رسامة النِّساء كهنة. من أجل صلوات السّاعات (الأجبية) وأوقاتها. لا يجوز لمُساعد الشَّماس (الإيبوذياكون) أن يُعطي بركة لأحد من الشَّعب. منع الهراطقة من دُخُول الكنيسة وعدم قُبُول عطاياهم. لا يجوز إقامة مآدب للطَّعام داخل الكنيسة. عدم سفر الكاهن بدون علم أسقفه. ضرورة وقوف الإيبوذياكون لحراسة أبواب الكنيسة. ضرورة الدَّهن بالميرون بعد المعمودية (وهو ما لا يفعله الكاثوليك الآن). لا يجوز للمسيحي أن يرقص في الحفلات. لا يجوز اتِّخاذ السَّبت عُطلة كاليهود. ولا يُعيِّد مسيحي معهم, أو يأخذ شيئاً من طعامهم في عيدهم. عدم دُخُول النِّساء إلى الهيكل. لا يجوز إتمام سِرّ الزَّواج في صوم الأربعين المُقدَّسة.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ10، 11. [مجمع قرطاجنة الثاني: وقد حضره 217 أسقفاً من شمال أفريقيا، في قرطاجنة (بتونس حالياً), وانعقد في النِّصف الثاني من القرن الرابع. ووضع 123 قانوناً في رأي ابن كبر، وعلى رأسها إعادة معمودية المُعمَّدين بيد هراطقة، والباقي كما يلي: ضرورة الالتزام بما قرَّره مجمع نقية المسكوني (325م) من قوانين. كيفية مُحاكمة القُسُوس والشَّمامسة ورُفقائهم. فيما يُمنع منه الكهنة. وفي ضرورة تعليم أهلهم التَّديُّن. ضرورة قراءة سِيَر الشُّهداء عِظَة وعِبْرة (عب 13 : 7). لا يُقدَّم على المذبح سوى الخُبز والخمر الممزوج بالماء. لا يجوز الهَزْل في أيام الأعياد. ضرورة معمودية الأطفال، والهدف منها. عدم قُبُول الرُّهبان الخارجين من الأديرة بدون إذن.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ11، 12. [مجمع غنغرا (Gangara): وضمَّ 15 أسقفاً، وموضوعه الأصلي مُحاكمة الهرطوقي «أنسطاسيوس» الذي حرَّم أكل اللَّحم والزَّواج، وجَذَبَ إلى أفكاره بعض مسيحيّي أرمينيا. ووضعوا 20 قانوناً، ومنها ما يلي: الموقف من الذي يصف الزَّواج بأنَّه نَجِس. والشَّخص الذي لا يذهب إلى الكنيسة واجتماعاتها. وعِقاب من يأخذ العُشُور والنُّذُور الخاصَّة بالمساكين يصرفها بغير رأي الأسقف. ولأجل الرّاهب الذي يَدِين غيره، أو يفتخر بنُسكه. الموقف من الزَّوجة التي تنعزل عن المُمارسة الزَّوجية بزعم أنَّ ذلك الأمر دَنِس. وكذلك الشَّخص الذي يهرب من الزَّواج بدون مُبرِّر. ولأجل من يرفض الإنفاق على أبنائه أو عدم تعليمهم وضرورة تعريفهم بالدِّين، لعدم عثرة الشعب. والموقف من أجل من يفطر في الصَّوم من غير ضرورة، أو من يرفض الصَّوم المُقرَّر رسمياً بالكنيسة. لأجل من يحتقر احتفالات الكنيسة بأعياد الشُّهداء.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ12، 13. [مجمعا قرطاجنة الثالث والرابع: اجتمع المجمع الأول سنة 417م برئاسة أوريليوس رئيس أساقفة شمال أفريقية، وحضره القدِّيس أغسطينوس أسقف مدينة إيبونا (Hippo). كان الغرض الأساسي للمجمع دراسة آراء الهرطوقي بيلاجيوس (Pellagius), وكان راهباً بريطانياً, وزعم أنَّ خطية آدم كانت قاصرة على نفسه, ولا تمس أحداً من نسله، وأنَّ الإنسان يُمكنه أن يصل إلى أعلى درجة في القداسة، بدون الحاجة إلى وسائط النِّعمة. وقد تمّ حرمه في مجمعين باللّد والقُدس، وفي مجمعين آخرين بشمال أفريقية.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ19. [النِّظام المجمعي: على أنَّه من الثّابت تاريخياً،أنَّ النِّظام المجمعي كان معمولاً به مُنذ أقدم العُصُور، التي وُجِدَت فيها روح الشُّورى أو تبادل الرّأي. ففي الوثنية مثلاً: «كان مُلُوك المصريين يُختارون من بين أُمناء الدِّين والكهنة في محفل من المبعوثين من كلّ إقليم نُوّاباً, وعليهم في المُداولات الاعتماد، فكانوا يجتمعون في البرِّيَّة التي بين ميت رهينة والفَيُّوم، فتُشكَّل منهم جمعية عُمُومية تنعقد في الحوادث المُهمَّة, كالصُّلح والحرب, وتحديد التَّرتيبات وتغيُّر الدَّولة وعند خلو المنصب الملكي، وغير ذلك من الأمور الخطيرة»(راجع كتاب: الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث، لميخائيل شاروبيم, الجزء الأول, صـ164).]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ21, 22. [أقسام المجامع: والمجامع – على ضوء القوانين الكنسية – تنقسم إلى نوعين رئيسيين، وهُما: (1) مجامع عامَّة: وهي التي يجتمع فيها جميع الأساقفة ليفحصوا المسائل الكنسية, مُشتركين في حلّ مشاكلها. ولقد حدَّدت القوانين أن تكون المجامع العامَّة دُفعتين في كلّ عام: الأولى في رابع جمعة من الخماسين، والثانية في الثاني عشر من شهر بابة الخريفي. ويجوز لهذه المجامع العامَّة، أن تنعقد في حالات استثنائية – في غير هذين الميعادين – إذا دعت الضَّرورة لذلك.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ22, 33. [(2) مجامع مكانية (Local): وهي التي يجتمع فيها الأسقف والقُسُوس والشَّمامسة في مركز كلّ أبروشية لتدبير أمورهم الخاصَّة، ويجوز انعقاد هذه المجامع يومياً عدا أيام الآحاد (دسقولية 8). ويُثبت المؤرِّخ البروتستانتي الشَّهير «موسهيم» في تاريخه ما يفيد أنَّ الأساقفة كانوا يحافظون – كلٌّ في أبروشيته الخاصَّة – على عقد هذه المجامع المحلية, فيقول في تاريخ القرن الرّابع ما نصَّه: «والأساقفة, كلُّ واحدٍ في أبروشيته الخُصُوصية أو مدينته, كانوا يُدبِّرون ويُرتِّبون كلّ أُمُور الكنيسة، ويجتمعون مع قُسُوسهم للمشورة، ثم يعرضون ما يُقرُّونه على الشَّعب للعمل به» (تاريخ الكنيسة, ك2, ق4, ق2, ف2).]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ23, 24. [(3) المجامع المسكونية: ولقد اجتمعت في بداية المملكة المسيحية، بعض مجامع عامَّة استثنائية، دُعيت «بالمجامع المسكونية», وهي موضوع البحث والدِّراسة في هذا الكتاب, حضرها أساقفة كافَّة الكراسي المسيحية المُنتشرة في أنحاء العالم. ولم تنعقد هذه المجامع إلا لضرورة حتمية، كظُهُور تعليم غريب يُخشَى عند انتشاره أن يُحدِث انقساماً في البَيْعَة. ولهذا نرى أنَّه ينبغي أن تتوفَّر في «المجامع العامَّة المسكونية» بضع شُرُوط نوجزها فيما يلي: (1) أن تنعقد بسبب بِدعة أو انشقاق. (2) أن تنعقد بدعوة من الإمبراطور المسيحي. (3) أن يحضرها غالبية أساقفة الكنيسة – شرقاً وغرباً – لتتمثَّل فيها المسكونة. (4) تُقرِّر شيئاً جديداً لم يكن مُقرَّراً من قبل. وعلى ضوء هذه الشُّرُوط، نستطيع أن نقول أنَّ جميع المجامع التي سبقت «المملكة المسيحية», أي التي انعقدت في الثلاثة القُرُون الميلادية الأولى، لا تُسمَّى مجامع مسكونية, بل تُعتبر مجامع مكانية.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ27-30. [اختصاص المجامع: حدَّدت لنا القوانين ما للمجامع من اختصاصات، فقامت بـ: (1) فحص المسائل المُتعلِّقة بالإيمان: ولعلَّنا نلمس ذلك واضحاً عندما نعرض لما فعلته المجامع المسكونية التي جاءت بعض قراراتها وقوانينها خاصَّة بالعقائد الإيمانية. قال «موسهيم» في كلامه عن القرن الرّابع: «إنَّ القضايا الدِّينية المُهمِّة كان يَفْصِل فيها القُضاة الذين يُعيِّنهم المُلُوك أو المجامع المسكونية، والقضايا الصُّغرى كان الأساقفة يفصلون فيها، والشَّرائع المُتعلِّقة بالدِّيانة كان يضعها إمَّا المُلُوك أو المجامع» (ك2, ق4, ق2, ف2). (2) وضع النُّظُم والقوانين اللَّازمة لسياسة الكنيسة: وفي المجموع الصَّفوي لابن العسّال الكثير من القوانين التي وضعتها المجامع المُتعاقبة والخاصَّة بتدبير جماعة المؤمنين، كقوانين الأحوال الشَّخصية والمواريث وغيرها. (3) حلّ المشاكل العامَّة التي تعترض الكنيسة: والتّاريخ حافل بذكر الحوادث الكثيرة والمشاكل العديدة التي اجتمعت المجامع للفصل فيها، فبعد نياحة البابا ثيؤدورس الـ45 من بطاركة الكرسي المرقسي, اختلف الإكليروس في الوجهين البحري والقبلي فيمن يخلفه، ولم يتمّ الاتِّفاق إلَّا بعد أن عُقِدَ مجمع كان ضمن الحاضرين فيه الأنبا موسى أسقف أوسيم, والأنبا بطرس أسقف جبل أوسيم, واللَّذان تمكَّنا من توحيد الصُّفُوف، لما اتَّصفا به من هيبة ووقار واحترام، واتَّفق الجميع على انتخاب الأب خائيل بطريركاً عام 735م. ولمَّا رأى الأنبا خائيل هذا (البطريرك الـ46) أنَّ الملكيين (أي أتباع مجمع خلكيدون) قد استصدروا أمراً بتسليم كنيسة مار مينا بمريوط لهم – وكانت تابعة للبطريركية القبطية – لم يتوانَ قطّ عن عقد مجمع حضره جميع الأساقفة حيث كتبوا تقريراً يُثبت ملكيتهم لهذه الكنيسة، ورفعوه للخليفة مشفوعاً بالمستندات اللَّازمة، ممّا أدَّى إلى سُرعة إعادة الكنيسة المذكورة إلى حوزة الكنيسة القبطية. (4) فضّ النِّزاعات والخُصُومات التي تنشأ بين الإكليروس, أو بين الشَّعب, أو بين كليهما، كما تمّ في مجمع نقية، عندما درس مسألة النِّزاع القائم بين أليكسندروس بابا الإسكندرية, وبين ملاتيوس المُنشق أسقف ليكوبوليس (أسيوط) وأصدر فيه قراراً. والمجامع عندما تتولَّى فضّ الخُصُومات بناءً على قول السيد: «إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما، إن سمع منك فقد ربحت أخاك، وإن لم يسمع فخُذ معك أيضاً واحداً أو اثنين، وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة، وإن لم يسمع للكنيسة فليكن عندك كالوثني أو العشار» (متى 18 : 5-7). (5) مُحاكمة رجال الإكليروس إذا صدر منهم ما يُنافي الإيمان القويم أو يُخالف ما تُقرِّره البَيْعَة من قوانين: وفي تاريخ الكنيسة كثير من الأحكام التي أصدرتها ضِدّ رجال الإكليروس – بطاركة وأساقفة وقُسُوس وشمامسة – لانحرافهم عن العقيدة السَّليمة، فلقد حَكَمَ مجمع نقية على آريوس, القِسّ الإسكندري، وحرم مجمع أفسس الهرطوقي نسطور بطريرك القسطنطينية.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ30-33. [الأحكام الباطلة لبعض المجامع: تعترف كنيستنا القبطية بما للمجامع من سُلطان في إصدار الأحكام على المُبتدعين، أو المُخالفين لقوانين الكنيسة وقراراتها,على أنَّها تعود فترفض الأحكام الخاطئة التي أصدرتها بعض المجامع المُغرضة بدافعٍ غير شريف – كالغيرة أو الحسد – ولو تستَّرت في فعلتها هذه بستار الدِّين. ونذهب إلى كنيستنا – ومذهبها الحقّ – إلى أنَّ كلّ الأحكام والقرارات التي تصدرها المجامع ينبغي ألا تتعارض مع الكتاب المُقدَّس, أو أحكام العقيدة الصَّحيحة, أو قوانين الكنيسة، وإلا اعتُبِرَت باطلة من أساسها. وفي صفحات التاريخ، ما ثبت لنا في وضوح وجلاء، أنَّ الكنيسة قد سارت على هذا المبدأ مُنذ القديم، إذ تمَّ رفض الأحكام الظّالمة التي أوقعتها بعض المجامع ظُلماً على بعض آباء الكنيسة المشهورين بسلامة الرأي وسلامة العقيدة وشِدَّة التَّمسُّك بالإيمان السَّليم: (1) فلقد أصدر مجمع صُور (المُزوَّر) المُنعقد سنة 324م، حُكماً على أثناسيوس الرَّسُولي حامي الإيمان، يقضي عليه بالعزل من وظيفته الكهنوتية وبالنَّفي أيضاً. ذلك لأنَّ أعضاء هذا المجمع الباطل كانوا من الأريوسيين المُنحرفي العقيدة. ورغم تنفيذ هذا الحُكم الباطل بأمر الإمبراطور, إلَّا أنَّ الكنيسة رفضته واعتبرته باطلاً ولم تُعره أي التفات, وبقيت مُتمسِّكة برئيسها الدِّيني العظيم البابا أثناسيوس الرسولي رغم نفيه ! (2) والقدِّيس كيرلُّس الكبير – عمود الدِّين – الذي اشتهر بعلمه وفضله وقداسته وتقواه، والذي ترأَّس المجمع المسكوني الثالث، حُكِمَ عليه في مجمع نِفاقي عقده يوحنا بطريرك أنطاكية مع أساقفته النَّساطرة بالعزل والنَّفي أيضاً ! غير أنَّ الكنيسة جمعاء قد رفضت هذا الحُكم واعتبرته باطلاً لبُطلان الأساس الذي بُنِي عليه. وعادت فسطَّرت في تاريخها ما يتَّفِق وكرامة هذا القدِّيس، مُعترفة له بِجِهاده العظيم وفضائله المُمتازة. (3) والبابا ديسقورس الإسكندري الذي اعتبره التّاريخ بطل الأرثوذكسية العظيم، والذي ترأَّس مجمع أفسس الثاني، قد حُكِمَ عليه بالنَّفي في مجمع خلكيدون، لأنَّه بقي مُتمسِّكاً بالإيمان السَّليم. ورفض تغيير عقيدته القويمة التي تسلَّمها من آبائه، ورغم قِيام الملك مركيان بتنفيذ الحُكم ونفي القدِّيس إلى جزيرة غاغرا، إلَّا أنَّ الكنيسة قد شهدت بصحة عقيدته, كما غبطته لحُسن جِهاده، ورفضت الحُكم الباطل الذي صدر ضِدَّه، كما رفضت مجمع خلكيدون وعدَّته باطلاً أيضاً ! (4) وهكذا رفضت الكنيسة أيضاً، الاعتراف بالحُكم الذي أصدره مجمع القُسطنطينية المكاني، على القدِّيس يوحنا ذهبي الفم. ورغم أنَّ البابا ثيئوفيلس الإسكندري كان رئيساً لهذا المجمعالذي أصدر هذا الحُكم، إلَّا أنَّ الكنيسة عادت سريعاً في عهد خليفته القدِّيس كيرلُّس البطريرك الرابع والعشرينواعترفت ببراءة القدِّيس يوحنا ذهبي الفم، كما قام القدِّيس كيرلُّس بتسجيل اسمه في «قائمة الآباء القدِّيسين»الذين تُقرأ أسماؤهم أثناء القُدّاس. ولازالت الكنيسة تُوقِّر هذا الأب, وتعترف بقداسته وفضله, وتُقدِّره كلّ التَّقدير.وتعترف بكلّ أقواله ومؤلَّفاته التي أُدرجت بعضاً منها في صلواتها وقراءتها الطَّقسية.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ40، 41. [إعادة معمودية الهراطقة: ومسألة ثالثة هامَّة ظهرت في الكنيسة في القرن الثالث، تلك هي مُشكلة إعادة معمودية الهراطقة، وقُبُول العائدين منهم إلى حُضن الكنيسة المُقدَّسة. حدث هذا الخِلاف بين كبريانوس أسقف قرطاجنة, واستفانوس أسقف روما، إذ قرَّر الأول في رسالته التاسعة عشرة: «إنَّ المُعمَّدين من يدِ الهراطقة هُم وحدهم الذين يجب إعادة معموديتهم، أمَّا الذين قَبِلُوا العِماد من الكنيسة الأرثوذكسية فعمادهم صحيح لا يُعاد». ولكن استفانوس أسقف روما (253-257م) لم يعجبه هذا الرّأي، إذ كان يُنادي بعدم جواز إعادة المعمودية إطلاقاً. وبدأت المسألة تتحرَّج بعقد – كلٍ من الفريقين – بعض المجامع المكانية لتدعيم رأيه. وإذ كانت الغالبية تقف في جانب كبريانوس, هدَّده استفانوس أسقف روما بالحرم إن لم يمتنع عن تعميد الهراطقة عند اعتناقهم المسيحية ! فعقد كبريانوس مجمعاً في قرطاجنة عام 255م, حكم «بضرورة إعادة عِماد الهراطقة, ومن تعمَّد على يديهم ممَّن يرجعون إلى المسيحية، أمَّا إذ كانوا مُعتمدين في الكنيسة وسقطوا في كُفرٍ أو هرطقة، فحكموا بعدم إعادة معموديتهم» (رسالة 72 لكبريانوس). ولمّا ازدادت شقّة الخلاف, تدخَّل القدِّيس ديونيسيوس البطريرك الإسكندري بما أوقف النِّزاع، إذ أرسل لأسقف روما رسالة أبان فيها أنَّ جميع الكنائس في كلّ مكان قد أجمعت على رأي واحد يُخالف رأيه (أوسابيوس, ك7, ف2). وهكذا استمرّ هذا الخلاف بين أساقفة روما والكنائس الشَّرقية إلى أن أصدر المجمع النِّيقاوي قراره فيه.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ42-43. [من هو الهرطوقي أريوس ؟! رجل مُصفر الوجه، طويل القامة، حادّ المزاج، مُتوقِّد الذِّهن، ضعيف البصر، طموح، مُحب للارتقاء، وُلِد في قيرين بشرق ليبيا عام 270م، درس الكثير من العُلُوم والمعارف ثمّ نزح إلى الإسكندرية حيث التحق بمدرستها اللاهوتية المرقسية, فأظهر في دراسته بها نُبُوغاً كبيراً، وعندئذ بدأ يسعى لنوال درجات الكهنوت، ظانًّا أنَّ في نُبُوغه وفصاحته ما يُبرِّر ذلك ! حاول الانضمام إلى ملاتيوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) مُحرِّضاً إياه على الإمعان في العِصيان وشقّ عصا الطّاعة على رئيسه القدِّيس بطرس خاتم الشُّهداء، ولكنَّه بعدئذ أدرك أنَّ مثل هذا العمل سوف لا يُوصله إلى هدفه في الارتقاء إلى الدَّرجات الدِّينية الرَّفيعة، وهُنا ترك ملاتيوس وتصالح مع البابا بطرس، مُظهراً خُضُوعه، فسامه شمّاساً سنة 306م، ثمّ قِسًّا !]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ43، 44. [تعاليمه الفاسدة: بدأ آريوس بدعته في عهد البابا بطرس خاتم الشُّهداء، وتنحصر تعاليمه في إنكار لاهوت السيد المسيح وادِّعائه أنَّه مخلوق، وغير مساوٍ للآب في الجوهر، وكأنّى به أراد أن يتجنَّب بدعة سابليوس أسقف بتولمايس (بالخمس مُدُن الغربية بليبيا) فسقط في بدعته هذه التي جاءت أشنع وأفظع !]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ44. [تنحصر بدعة سابليوس في أنَّ الله أقنوم واحد،أعطى النّاموس لبني إسرائيل بصفة أب، وصار إنساناً في العهد الجديد بصفة ابن، وحلَّ على الرُّسُل في عُلِّيَّة صهيون بصفة الرُّوح القُدُوس، وقد عُرف أتباع هذه البدعة «بمؤلِّمي الآب». وذهب هذا المُبتدع إلى روما, فساعده على نشر بدعته أسقفها زفيرينوس (202-218م), وكذا فعل خَلَفَه كاليستوس (218-223م). على أنَّه عندما عاد إلى مصر، حاول البابا ديونيسيوس الإسكندري إرجاعه عن ضلاله، فلمّا لم يقبل؛ عَقَدَ مجمعاً بالإسكندرية عام 261م وحرمه هو وبدعته.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ49، 50. [نهايته الوخيمة: بعد أن حكم المجمع النِّيقاوي بحرم آريوس – كما سيجيئ – نُفِي إلى الأليريكون، ولكنَّه تمكَّن من الرُّجُوع إلى الإسكندرية بعد نفي البابا أثناسيوس إلى تريف (Treve), فرفضه الإكليروس والشَّعب، وخاف الوالي من حُدُوث ثورة نتيجة لوجوده, فأرسله إلى القُسطنطينية حيث استطاع بمُعاونة بعض أتباعه من مُقابلة الإمبراطور قُسطنطين، وفي رياء وخِداع, أظهر له أنَّه مُتمسِّك بالإيمان المُستقيم. فأمر الإمبراطور بقُبُوله ! كما حاول الأنبا إسكندر بطريرك القُسطنطينية توضيح خِداع آريوس وعدم استطاعته قُبُوله، غير أنَّ الملك بقى مُصرًّا على تنفيذ أمره. وحدَّد لذلك يوماً معلوماً. ذهب إسكندر البطريرك, ويعقوب أسقف نصيبين, إلى كنيسة إيريني، وصلَّيا بدُمُوع إلى الله كي يرفع عن كنيسته هذا السَّخط، وكان البطريرك يطلب منه تعالى أن يُميته قبل أن يرى آريوس مُصلِّياً في إحدى كنائسه ! وفي مساء اليوم المُحدَّد لمجيء آريوس، أحضروه باحتفال عظيم، وما أن دنا من الكنيسة حتى شعر بمرض مُفاجئ, وأحسَّ كأنَّ أحشاءه تتمزَّق ! وهكذا قضى نحبه واستراحت الكنيسة من شرِّه ! وما أعظم ما قاله سُقراط المؤرِّخ (في ك1, ف68): «أمات اللهُ آريوس في مِرحاض عمومي، حيث اندلقت أمعاؤه ! وقد اعتبر الشَّعب هذه الميتة انتقاماً من العدل الإلهي لهذا الهرطوقي».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ52. [كان أثناسيوس الرَّسُولي بمثابة الحارس الأمين للمسيحية في العالم ! إذ بينما بدأ الكثيرون ينحرفون نحو الآريوسية البغيضة، نراه يقف وحيداً في ميدان الجهاد، مُكرِّساً وقته وماله ومواهبه. ومُضحِّياً بمركزه وكرامته ودمائه، لا لشيء إلا ليُعيد العالم دفعة ثانية إلى الحياة المسيحية القويمة، وما أعظم ذلك المثل الذي قيل عنه: «كلّ العالم ضِدّ أثناسيوس ! وأثناسيوس ضِدّ العالم !» (Athansius Contra Mundum).]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ52-54. [وُلِد القدِّيس أثناسيوس الرَّسُولي عام 286م بمدينة الإسكندرية، من أبوين وثنيين، ثمّ مات والده وهو صغير السِّن. فقامت أُمّه بتربيته، على أنَّه كان يميل مُنذ صغره إلى مُعاشرة المسيحيين ومُخالطتهم، فاستطاع بذلك أن يعرف شيئاً عن الدِّيانة المسيحية، وعن مبادئها السّامية. ولمّا بلغ سِنّ الرُّشد أحبَّت والدته أن تُزَوِّجه غير أنَّه رفض. وأوضح لها شيئاً عن الزُّهد والبتولية، ممّا تدعو إليه المسيحية، وهُنا حاولت والدته أن تُثنيه عن عزمه، مُقَدِّمةً له كلّ وسائل الإغراء المُمكنة، ولكنَّها في كلّ مرة كانت تلمس في تصرُّفاته درساً جديداً من دُرُوس المسيحية ! وأخيراً، ذهبت مع ابنها إلى البابا إسكندر وقصَّت الأمر أمامه.فسُرَّ كثيراً بأثناسيوس، وبعدما قام بتعميدهما، استبقى الفتى لديه تحت رعايته في الدّار البطريركية. والتحق أثناسيوس بالمدرسة المرقسية اللاهوتية بالإسكندرية. وهُنا ظهرت بعض مواهبه، فداوم على الدِّراسة والاستذكار بِجِدٍّ ونشاط حتى نبغ نُبُوغاً عظيماً، وفاق كافَّة أترابه في العُلُوم اللاهوتية والفلسفية، وليس أدلّ على ذلك من أنَّه قد أصدر عام 318م – وهو لا يزال طالباً – كتابه الأول «رسالة ضِدّ الوثنيين» ! امتازت بغزارة المادَّة وقُوَّة الحُجَّة. ولما أتمَّ دراسته اللاهوتية، ذهب إلى البرية الشرقية ليدرس التقوى العملية، وهناك تتلمذ للقدِّيس أنطونيوس أب الرُّهبان وكوكب البرية. فتعلَّم منه مبادئ الحياة النُّسكية.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ55، 56. [وقد كَتَبَ بعض الآباء الذين حضروا المجمع النِّيقاوي وصفاً للقدِّيس أثناسيوس قالوا فيه: «كان يبلغ من العُمْر نحو الثلاثين. قصير القامة رقيق البِنْية. وإن كان له جبهة عريضة ويُضيء وجهه بنور النِّعمة. وتُفْصِح عيناه عن إرادة قوية, ويخرج منها بريق لهب نفّاذ كالسَّيف. وكان يتجلَّى فيه التَّواضع والقُوَّة الرُّوحية اللَّذان كانا يُنسجان حوله هيبة خاصَّة. وكان أعضاء المجمع يتشوَّقون إلى سماعه بذلك الانتباه الذي كانوا يُعيِّرونه لشيوخ الكنيسة ومُعلِّميها الذين أفنوا أعمارهم في دراسة الحكمة». ووصفه العلَّامة دين ستانلي (Dean Stanley) في كتابه السّابق: (Lectures on History of the Eastern Church) بقوله: «كان قصير القامة جداً حتى أشار إليه يوليانوس بالقزم، تعبيراً وتقريعاً !», ولكن غريغوريوس النِّزْيَنْزِي يؤكِّد لنا أنَّه: «حَسَن الطَّلعة, جميل المُحيَّا، عليه سِمات التَّقوى والورع، يُخيَّل للرّائي أنَّه ملاك من الملائكة». وينقل عنه أيضاً أنَّه كان أيضاً: «محدَوَّدباً بعض الأحديداب، ذا أنف مُقوَّس، وفم دقيق، ولحية قصيرة بشاربين كبيرين، وكان ذا شعر خفيف أسمر اللَّون، ضارب إلى الحُمرَة».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ59-61. [رسامته أوَّل أسقف لأثيوبيا: يُثبت التّاريخ أنَّ متَّى الإنجيلي هو أول من نادى بالمسيحية في بلاد الحبشة، حتى أنَّه مات هُناك بطعنة رُمح، على أنَّ الدِّيانة المسيحية لم تُثبَت هُناك رسمياً إلا في أيام القدِّيس أثناسيوس الرَّسُولي. وقد حدث ذلك، عندما سافر ذات يوم شخصٌ يُدعَى «فريمونات الصُّوري» مع شقيقه «أيدوس» وعمَّهما «ميروبيوس» في رحلة إلى بلاد الهند، وقد استقلُّوا سفينة مع آخرين، وبينما هُم يسيرون في البحر الأحمر احتاجوا إلى طعام فمالوا ناحية البرّ. وهُناك هجم عليهم البرابرة وقتلوا كلّ من في السَّفينة. ولم يَنْجُ سِوَى الأخوين فريمونات وأيدوس اللَّذين اختفيا تحت شجرة, وبدآ يُصلِّيان ويقرآن في الكتاب المُقدَّس مُنتظرين نجاة الله، وما أن وقع نظر البرابرة عليهما حتى أمسكوهما، وإذ رأوا ما حباهما الله به من جمال, أسروهما وقدَّموهما هدية لملكهم، الذي كان يقطن مدينة أكسوم (عاصمة أثيوبيا في ذلك الحين)، فعيَّن الملك أيدوس رئيساً لسُقاته, وفريمونات أميناً لخزائنه. وبقى الأخوان هكذا إلى أن مات الملك، فأُعتقا من الأسر، غير أنَّ الملكة رغبت في بقائهما ليساعداها في تربية أولادها الصِّغار، وهُنا بدأ الأخوان يستخدمان نُفُوذهما في نشر الدِّيانة المسيحية, وجذب الأحباش إليها، ولقد ساعدهما في ذلك بعض التُّجّار المسيحيين الذين كانوا يأتون إلى الحبشة (أثيوبيا) فلقيت الدَّعوة المسيحية نجاحاً عظيماً .. ! ولمّا انتهيا من مُهمَّتهما تركا البلاد الأثيوبية ليعودا إلى وطنهم، غير أنَّ فريمونات عزَّ عليه أن يترك الخِدمة التي بدأ بها في بلاد أثيوبيا هكذا دون عِناية أو رِعاية. وبعد أن فكَّر كثيراً, استقرَّ رأيه على مُقابلة البابا أثناسيوس الرَّسُولي وعَرَضَ الأمر عليه ليتعهَّده برعايته. ولم تمضِ أيام قليلة، حتى كان فريمونات في حضرة القدِّيس أثناسيوس يقُصّ الأمر عليه، ويُحمِّله مسئولية الكرمة الجديدة. وهُنا قال القدِّيس لفريمونات: «ومن، أين لنا برجل مملوء من روح الله, يُدرك كلّ احتياجات كلّ البلاد مثلك ؟!». وبين مظاهر الفرح والسُّرُور, قام البابا برسامته أسقفاً على بلاد أثيوبيا باسم «الأنبا سلامة» وكان ذلك في عام 330م. ومُنذ ذلك الحين، أصبحت الإمبراطورية الأثيوبية جزءً لا يتجزَّأ من الكرازة المرقسية، يتعهَّدها باباوات الإسكندرية بالرِّعاية اللَّازمة, ورسامة الأساقفة لها، كُلّما دعت الحاجة.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ87، 88. [انعقد المجمع المسكوني الأول في مدينة نقية في شهر مايو سنة 325م، وخُصِّص للاجتماع السّاحة الوسطى في القصر الملكي بالمدينة لاتِّساعها، حيث أُعدَّت فيها المقاعد الكثيرة، كما وُضِعَ في الوسط كُرسيًّا مُذهَّباً ليجلس عليه الإمبراطور قُسطنطين الكبير، الذي رَغِبَ في حُضُور جلسات المجمع بنفسه.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ95. [وُفُود الأساقفة: قُبَيل الموعد المُحدَّد لانعقاد المجمع – بدأت وُفُود الأساقفة تصل إلى نقية من كلّ مكان، وكان في مُقدِّمة الحاضرين، وفد كنيسة الإسكندرية المؤلَّف من أليكسندروس بابا الإسكندرية, يصحبه رئيس شمامسته وسكرتيره الخاصّ أثناسيوس الرَّسُولي، مع جماعة من الأساقفة، من بينهم الأنبا بوتامون أسقف هرقليا بأعالي النِّيل، والأنبا بفنوتيوس أسقف طيبة الذين قُلِعَت عيناهما بالسَّيف، وكُوِيَت حواجبهما بالحديد المحمي بالنّار في أيام الاضطهاد السّابق.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ97. [وبلغ عدد الآباء 318 أسقفاً, منهم 310 من الشَّرق، 8 فقط من الغرب، ولعلَّ ذلك راجع إلى قِلَّة الأساقفة، لضعف المسيحية في الغرب في ذلك الوقت.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ97. [وبديهي أنَّ هؤلاء الأساقفة لم يحضروا جميعاً في وقتٍ واحدٍ، وأكبر الظَّن أنَّه قد انقضى أكثر من أسبوعين قبلما يكتمل عددهم في المدينة.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ101. [وقد اختلف المؤرِّخون في اليوم الذي افتَتَح فيه المجمع جلساته، ولكن غالبية المُدقِّقين منهم يؤكِّدون أنَّ الجلسة الأولى للمجمع كانت في اليوم العشرين من شهر مايو، والجلسة الختامية في الخامس والعشرين من شهر أغسطس سنة 325م.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ104، 105. [وفي اليوم التالي عاد المجمع إلى الانعقاد. وقدَّم آريوس المُبتدع صورة اعتقاده التي قال فيها: «إنَّ الابن ليس مُساوياً للآب في الأزلية، وليس من جوهره، وأنَّ الآب كان في الأصل وحيداً، فأخرج الابن من العدم بإرادته، وأنَّ الابن إله لحصوله على لاهوت مُكتسب». وما أن سمع الأساقفة هذه الأقوال حتى تهيَّجوا لِمَا حوته من بدع وضلالات, وإذ أخذ آريوس يُدافع عن مُعتقده, انبرى له رئيس الشَّمامسة القدِّيس أثناسيوس, وأفحمه برُدُوده القوية, وحُجَجِه الدّامغة، حتى أظهر ضلاله, وأبان فساد رأيه. دُهِشَ الأساقفة من موقف أثناسيوس هذا، الذي لم يكن بلغ الثَّلاثين من عمره بعد، وفرحوا كثيراً لفصاحته ونُبُوغه ومقدرته على إثبات المُعتقد القويم، كما نَظَرَ إليه الإمبراطور قُسطنطين الكبير الذي أُخِذَ ببلاغته وعِلْمه وقال له: «أنت بطل كنيسة الله».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ105، 106. [وعندما بدأ الآباء في تحديد العقيدة السَّليمة، كان الآريوسيون يُوافقون على ظاهر أقوالهم، ثمّ يؤوِّلونها بما يكون لصالح عقيدتهم الفاسدة، وأخيراً تدخَّل أثناسيوس واقترح أن تُضاف إلى العقيدة عبارة (Homo-Ousion هوموأوسيون) أي مساوٍ في الجوهر، للتَّعبير عن حقيقة صِلَة الآب بالابن، غير أنَّ الآريوسيين رفضوها وأرادوا استبدالها بعبارة مُشابهة (Homi-Ousionهوميأوسيون), ورغم أنَّ العبارة الأخيرة لا تُغيِّر سوى حرفاً من الأولى, إلا أنَّها تختلف عنها في المعنى اختلافاً كبيراً. وبعد نقاش كبير أُخِذَ رأي المجمع، فوافق على عبارة القدِّيس أثناسيوس.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ108. [ولقد وَقَّعَ على قانون الإيمان هذا أكثر من 300 أسقف، ولمّا امتنع آريوس وأنصاره عن التَّوقيع؛ حَرَمَهم المجمع, كما قرَّر نفي آريوس وحرق كُتُبه. ولعلَّنا نلمس حُكم المجمع ظاهراً في رسالته التي بعث بها إلى كنائس أفريقية وقال فيها: «قبل كلّ شيء, وُقِّع البحث أمام الملك قُسطنطين الكُلِّيّ التَّقوى في إثم آريوس ورُفقائه وعدم تقواهم, وحتَّم بصوت الجميع أنَّ تَعْلِيمه العديم التَّقوى ليكن أناثيماً (محروماً), وهكذا أيضاً فلتكُن أقواله وعباراته التَّجديفية».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ122، 123. [بعد أن انتهى المجمع من حُكمه وقراراته وقوانينه، أُعلِن انتهاء جلساته, فدعا الإمبراطور قُسطنطين سائر أعضائه إلى مأدبة فاخرة صنعها لهم في قصره المَلَكِيّ. ولقد غالى الإمبراطور في احترام وتكريم الأساقفة, حتى كَتَبَ أوسابيوس المؤرِّخ يصف هذا الاجتماع بقوله: «إنَّ اجتماع آباء الكنيسة في سلام وصفاء بهذه المأدبة الفخمة كان يُشبه صورة ملكوت المسيح، وقد تجلَّى هذا المنظر أمامي كحلم أكثر ممّا هو أمر حقيقي». ثمّ ألقى قُسطنطين الملك عليهم خطاب الوداع، حاثًّا إيّاهم على التزام خِطَّة المحبة والسَّلام. ثمّ وزَّع عليهم هدايا كثيرة, وأعطاهم أوامر ملكية إلى وُلاة البلاد التي هُم فيها كي يُوزِّعُوا على الكنائس في كلّ عام مقداراً من الحِنطة يكفي لمؤونة إكليروسها وفقرائها وأراملها.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ124، 125. [رأينا في الفصل السّابق، أنَّ مجمع نقية المسكوني قد وَضَعَ عشرين قانوناً لسياسة الكنيسة، وافق عليها جميع الآباء بلا استثناء، ولكن بعد وضع هذه القوانين بما يقرُب من مائة عام، وإذا بكنيسة روما تَدَّعِي أن عددها 84 قانوناً ! وهي لا تَدَّعِي هذا جُزافاً، إنَّما لكيّ تستفيد من بعض القوانين المُزوَّرة في إثبات رئاسة أسقفهم على الكنيسة جمعاء. فلقد أثبتوا في القانون رقم 33 ما نصّه: «أمروا أن تكون البطاركة في جميع الدنيا، أربعة لا غير، مثل كَتَبَة الأناجيل، ويكون الرَّئيس منهم صاحب كرسي بطرس برومية», كما دوَّنوا في القانون رقم 44 ما نصّه: «كما أنَّ البطريرك أمره وسُلطانه على ما تحت يده،كذلك لصاحب رومية سُلطاناً على سائر البطاركة». فعلوا هذا إشباعاً لرغباتهم، وهُم لا يدرون أنَّ مثل هذا التَّزويرلا يُمكن أن يثبُت أمام أحكام التّاريخ القاسية.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ144. [وقت انعقاد المجمع (نقية 325م) ! أوَّلاً: ذكر بعض المؤرِّخين أنَّه عندما عقد المجمع أولى جلساته، كانوا كلَّما أرادوا إحصاء عدد الأعضاء الحاضرين أضافوا واحداً إلى العدد الأصلي, ليشيروا إلى وُجُود الله في وسطهم. إثباتاً لقول الكتاب: «إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسميفهناك أكون في وسطهم».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ146. [بعد انفضاض المجمع: بعد انتهاء المجمع بزمن قليل، يُرينا التّاريخ كيف ناضل القدِّيس أثناسيوس الرَّسُولي البابا السَّكندري، وحَامَى عن الإيمان، مُتمسِّكاً بما أصدره هذا المجمع من قرارات، على نقيض الكنيسة الغربية التي ارتمت في أحضان الآريوسية، وجحدت الإيمان الأرثوذكسي أكثر من مرَّة !.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ152. [بدعة أبوليناريوس (Apollinarius): سُيِّم أسقفاً على مدينة اللَّاذقية بالشّام بعد أن أكمل دراسته الفلسفية. واشتهر بمُناضلته للآريوسيين, وبشدَّة دفاعه عن لاهوت السيد المسيح له المجد. غير أنَّ فلسفته دفعته إلى السُّقُوط في بِدعة شنيعة، إذ كان يُعلِّم بأنَّ لاهوت السيد المسيح قد قام مقام الرُّوح الجسدية، وتحمَّل الآلام والصَّلب والموت مع الجسد، وكان يعتقد أيضاً وُجُود تفاوت بين الأقانيم الثلاثة، مُنادياً بأنَّ الرُّوح عظيم, والابن أعظم, أمّا الآب فهو الأعظم !]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ153. [ولقد جاء في دائرة المعارف الجزء الثالث، عن هذا المُبتدع ما نصّه: «إنَّه لما شاخ, أودع الكتاب المُتضمِّن تعاليمه عند إحدى تلميذاته في أنطاكية. ولمّا عَلِمَ بذلك مارأفرام السُّرياني وهو في تلك المدينة، استعار هذا الكتاب من تلك المرأة، وألصق أوراقه بغِراء، ثم ردّه إليها. ولما لقيه أخذ مارأفرام يُجادله عن المواد التي أدرجها في كتابه أمام جمهور غفير. وإذ كانت الشَّيخوخة قد أضعفت ذهنه؛ قال لمارأفرام إنَّ في كتابه ردًّا على كلّ مُقترحاته، ولمّا استحضر الكتاب؛ ووجده كقطعة خشب, لا سبيل إلى فتحه, استشاط غيظاً وداسه برجليه، واعتزل من هُناك, فتبعه الشَّعب وأوسعوه تعييراً وشَتْماً حتى غاب عن أبصارهم، ويُقال أنَّه اغتاظ جداً من تلك المُعاملة حتى مرض، ومات كمداً سنة 390م».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ154. [بدعة أوسابيوس: جدَّد هذا المُبتدع تعاليم سابليوس، فكان يعتقد بأنَّ الثّالوث الأقدس أُقنُوماً واحداً. ظهر في العهد القديم كأب، وصار إنساناً في العهد الجديد بصفة ابن، وحلَّ على الرُّسُل في عُلِّيَّة صهيون بصفة الرُّوح القُدُس ! وقد أُسْقِطَ هذا المُبتدع من رُتبته، كما حُرِمَت تعاليمه في المجمع المسكوني الثاني.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ154، 155. [بدعة مكدونيوس: كان مكدونيوس أحد أتباع آريوس، وبواسطة نُفُوذ الآريوسيين وتأثيرهم لدى الملك قُسطنطين أُقيم أسقفاً على القسطنطينية سنة 343م. وعندما وَصَلَ إليها حدث هِياج شديد بين المؤمنين والآريوسيين، قُتِل فيه عدد كبير. غير أنَّ الملك قُسطنس عاد فحَنِقَ عليه بعد قليل عندما رآه وقد نَقَلَ جُثَّة والده الإمبراطور قُسطنطين الكبير من مدفن إلى آخر دون علمه، فأمر بعزله عن كرسيه وطرده، فتمّ ذلك عام 360م. ويبدو أنَّ هذا المُبتدع كان يُعلِّم التَّعاليم الآريوسية عندما كان أسقفاً، ولكنَّه بعد أن عُزِلَ وطُرِدَ بدأ يُعلن عن بدعة أخرى مؤدّاها: «أنَّ الرُّوح القُدُس عمل إلهي مُنتشر في الكون, وليس بأقنوم مُتميِّز عن الآب والابن، بل هو مخلوق يُشبه الملائكة, ولكنَّه ذو رُتبة أسمى منهم» (راجع كتاب تاريخ الكنيسة القبطية لمنسَّى يوحنا صـ276). وقد فنَّد القدِّيس أثناسيوس الرَّسُولي حامي الإيمان هذه البدعة في المجمع الذي عقده بالإسكندرية بعد عودته من منفاه عام 362م. وأبان فساد رأي مكدونيوس، ثم حَكَمَ بِحَرْمِه وبدعته، وتَبِعَه في ذلك أساقفة كثيرون. ولمّا سَمِعَ الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير بانتشار هذه البدعة وافق على عقد مجمع مسكوني في مدينة القُسطنطينية للقضاء عليها.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ168. [انعقد المجمع المسكوني الثاني في مدينة القُسطنطينية سنة 381م, في عهد الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير، وحضره 150 أسقفاً يتقدَّمهم تيموثاوس البابا الإسكندري مع بعض أساقفته، وكيرلُّس أسقف أورشليم, وميلاتيوس أسقف أنطاكية, ونكتاريوس وغريغوريوس الثيئولوغس أسقف القُسطنطينية, وغريغوريوس أسقف نيُصص، وأمفيلوسيوس أسقف أيقونية, وبيلاجيوس أسقف اللَّاذقية, وثيئوذورس أسقف طرسوس, وأكاكيوس أسقف حَلَب.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ169. [ويتبيَّن لنا من مُراجعة أسماء الأساقفة الموقِّعين على قرارات هذا المجمع المسكوني, ومن المُستندات التّاريخية أيضاً، أنَّنا أمام مجمع شرقي ! إذ لم يحضر من أساقفة الغرب أحداً، رغم توجيه الدَّعوة إليهم، كما وُجِّهت إلى غيرهم من الشَّرقيين، وحتى داماسوس أسقف روما لم يحضر, كما أنَّه لم يُرسل نُوّاباً عنه (كما حدث في مجمع نقية), غير أنَّه خَضَعَ للقوانين التي أصدرها المجمع واحترم قراراته.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ172. [وفي سنة 1453م, دَخَلَ السُّلطان محمد الثاني الفاتح مدينة القُسطنطينية بجُيُوشه التُّركية، وبعد أن استتبَّت الأحوال؛ حوَّل كنيستها الكُبرى (أجيا صوفيا) إلى مسجد, وجعلها عاصمة مُلكِه, ومقرّ حُكُومته (وهي حالياً متحف تركي). ولازالت أهمية المدينة باقية حتى الآن، وإن كان اسمها قد تغيَّر إلى الأستانة, ثمّ استانبول، ونُقِلَت العاصمة التُّركية إلى أنقرة الحالية.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ172، 173. [الإمبراطور ثيئودسيوس الكبير: هو الذي اهتمَّ بإصدار الأوامر لعقد المجمع القُسطنطيني، لبحث بِدعة مكدونيوس، قبل أن يستفحل أمرها. وكان عالي الهِمَّة، حَسَن الأخلاق، عادل الأحكام، ولذلك لقَّبه التّاريخ: بالملك الأرثوذكسي (المُستقيم). أصدر منشوراً عام 381م لجعل الدِّيانة المسيحية الدِّيانة الرَّسمية للمملكة، ثمّ أمر بهدم المعابد الوثنية، فهَدَمَ في روما وحدها أكثر من 400 معبد. كما صرَّح للبابا الإسكندري الأنبا ثيئوفيلس بتحويل كافَّة معابد الأوثان في مصر إلى كنائس، وكان ضمن هذه المعابد هيكل سيرابيس بالإسكندرية, الذي حوَّله الأنبا ثيئوفيلس إلى كنيستين سُمِّيَتا باسمي أركاديوس وهانوريوس ابنا الإمبراطور.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ175، 176. [الجلسة الأولى: بدأ المجمع (القُسطنطينية) أُولَى جلساته في أحد أيام شهر مايو سنة 381م, برئاسة القدِّيس ملاتيوس بطريرك أنطاكية، غير أنَّ هذا الأب مَرِضَ قبل انتهاء المجمع من أعماله. ثمّ رَقَدَ في الرَّب، فرشَّح الآباء القدِّيس غريغوريوس الثيئولوغوس ليخلفه في الرِّئاسة، ولكن البابا الإسكندري وأساقفة مصر عارضوا في هذا التَّرشيح، فلما رأى غريغوريوس أنَّ رئاسة المجمع ستُحدث انقساماً، تنازل عنها لصديقه نكتاريوس الذي حاز رضاء الجميع. وبعد أن تُلِيَت المراسم الخاصَّة بانعقاد المجمع, دُعِي مكدونيوس ليعرض اعتقاده على مسامع الآباء، فبدأ يقول إنَّ الرُّوح القُدُس مخلوق، مُستنداً على الآية القائلة: «كلّ شيء به كان, وبغيره لم يكن شيء ممّا كان» (يو 1 : 3). فأجابوه قائلين: «إنَّه لا يوجد لدينا إلا روح واحد, هو روح الله، ومن المعلوم أنَّ روح الله ليس شيء غير حياته، وإذا قُلنا إنَّ حياته مخلوقة, فعلى زعمك أنَّه غير حيّ، وإذا كان غير حيّ، فهذا هو الكُفر الفظيع والرأي الشَّنيع !» (راجع تاريخ الكنيسة القبطية صـ264, والسِّنكسار تحت يوم أول أمشير).]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ177،178. [قرار المجمع (القُسطنطينية): وإزاء إصرار مكدونيوس على التَّمسُّك بآرائه، لم يجد المجمع بُدًّا من النُّطق بالحُكم عليه. فقَضَى بِحَرْمِه وفَرْزِه. كما حَكَمَ الإمبراطور بنفيه. وقرَّر الآباء أنَّ الرُّوح القُدُس هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس، وأنَّه مُساوٍ للآب والابن، ثمّ أكملوا قانون إيمان مجمع نقية كالآتي: «نعم نؤمن بالرُّوح القُدُس, الرَّب المُحيي المُنبثق من الآب, نسجد له ونُمجِّده مع الآب والابن, النّاطق في الأنبياء, وبكنيسة واحدة جامعة مُقدَّسة رسولية, ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا, وننتظر قيامة الأموات, وحياة الدَّهر الآتي, آمين».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ179. [وسأل أبوليناريوس (أي: يتمّ استجوابه) قائلاً: «وأنت ما هو اعتقادك ؟», فأجابه بقوله: «إنَّ تجسُّد الابن كان باتِّحاد الرُّوح القُدُس مع الجسد البشري, وبدون النَّفس النّاطقة، لأنَّ لاهوته قام مقام النَّفس والعقل». فقال له الأنبا تيموثاوس: «إنَّ الله الكلمة إنَّما اتَّحد بطبيعتنا لكي يُخلِّصنا، فإن كان اتِّحاده بالجسد الحيواني فقط, فهو إذاً لم يُخلِّص البشر, بل الحيوانات، لأنَّ البشر يقومون في يوم البعث بالنَّفس النّاطقة العاقلة، التي معها يكون الخِطاب والحساب, وبها ينالون النَّعيم والعذاب، وعلى ذلك تكون قد بَطُلَت منفعة التَّجسُّد. وإذا كان هكذا، فكيف يقول هو عزَّ وجلّ عن ذاته: إنَّه إنسان، إذا كان لم يَتَّحِد بالنَّفس النّاطقة العاقلة ؟». ثمّ نصحه كثيراً ليرجع عن كُفرِه, فلم يرجع, فقَطَعَه.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ180، 181. [قوانين المجمع (القُسطنطينية): وقُبَيل انفضاض المجمع، سَنَّ الآباء سبعة قوانين لسياسة الكنيسة، حيث أعلنوا في قانونهم الأول وُجُوب التَّمسُّك بدستور إيمان مجمع نقية, مع رفض كلّ البِدَع والتَّعاليم الغريبة عنه. وفي القانون الثاني، أعادوا تحديد مناطق النُّفُوذ الممنوحة للكراسي الرَّسُولية والأُسْقُفِيّات، مُراعين في ذلك ما حدَّدته قوانين المجمع المسكوني الأول. ويبدو أنَّ آباء المجمع كانوا يسعون لكسب رضاء الأباطرة، ولذا فقد أثبتوا في القانون الثّالث تقدُّم كرسي القُسطنطينية, رغم حداثته عن كرسي الإسكندرية الذي جاهد آباؤه جهاد الأبطال في سبيل الذَّود عن الإيمان، والذي كان له المقام الأول بين الأسقفيات جميعاً. أمّا البابا تيموثاوس الإسكندري, فكان يرى مع أساقفته أنَّ ليس ثمَّة ضرورة لوضع هذا القانون.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ185-188. [(القانون السابع للمجمع المسكوني الثاني): «إنَّنا نقبل المُبتدعين الآتين إلى الأرثوذكسية، المُخلصين والطّائعين لقوانين الكنيسة. فالآريوسيون,والمكدونيون, والسَّبتيون, والنَّفاثيون, الذين يُسمُّون أنفسهم أنقياء، والأربع عشريين, والأربعئيون, والأبوليناريون,نقبلهم بعد أن يُقدِّموا صُكُوكاً (أي صورة الإيمان المستقيم), ويُنبذوا كلّ بِدعة لا تكون حسب مُعتقد الكنيسة المُقدَّسة الجامعة. ويجب على هؤلاء أن يُمسَحوا بالميرون المُقدَّس في الجبهة, والعينين, والمنخرين, والفم, والأذنين، وعند مسحهم يُقال: “ختم موهبة الرُّوح القُدُس“. والقنوميون, المُعمَّدون بغطسة واحدة, والمونتانيون, أي الفريجيين.والسّابِلْيُوسِيُّون, الذين يُعلِّمون بأنَّ الآب والابن أقنوم واحد, ويقبلون أموراً غيرها مكروهة، وسائر البِدَع الأخرى الكثيرة العدد هُنا, ولاسيَّما القادمون من بلدة غلاطية، فجميع المريدين من هؤلاء الانضمام إلى الأرثوذكسية نقبلهم كالأمم. ففي اليوم الأول نجعلهم مسيحيين، وفي اليوم الثاني موعوظين، وفي اليوم الثالث نتلو عليهم الأمانة بعد أن ننفخ في آذانهم ووجوههم ثلاث مرّات, ثمّ نعظهم ونوقفهم في الكنيسة لاستماع الكُتُب الإلهية, ثمّ نُعمِّدهم».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ186. [أنَّ السَّبتيين هُم أتباع سبتيوس الذي كان يهودياً واعتنق الدِّيانة المسيحية. وسُيِّم قِسًّا من مركيانوس أسقف النَّفاسيين في القُسطنطينية, إلَّا أنَّه بعد أن تعمَّد بَقِي مُتمسِّكاً ببعض العادات اليهودية. فكان يُعيِّد الفصح مع اليهود، ويُقدِّس السَّبت ولذلك دعي سبتيوس. ويُسمُّون أيضاً شماليين, لأنَّهم كانوا يرذلون اليد اليُسرى, ولا يُريدون أن يتناولون بها شيئاً ! (وهُم يُشبهون السَّبتيين الأدفنتست الآن).]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ186. [(النَّفاثيون) دُعوا هكذا نِسبة إلى نوفاتيوس, قِسّ كنيسة رومية الذي كان يرفض توبة من جحد الإيمان إبان الاضطهادات. كما كان يرفض أن يشترك مع الذين يتزوَّجون زيجة ثانية. وكان يقول أيضاً أنَّ الخطية التي تُرتَكَب بعد المعمودية لا يُمكن أن تُغتفر.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ186. [(الأربعئيون) وهُم الذين يُعيِّدون الفصح في الرابع عشر من الشَّهر القمري، في أي يوم من الأسبوع اتَّفق (جاء فيه), مُهملين ضرورة وُقُوع العيد في يوم«أحد», ويُسمُّون أيضاً بالأربعئيين. لقيامهم بصوم أيام الأربعاء (في الخمسين يوماً) بعد احتفالهم بعيد القيامة.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ187. [(القنوميون) سُمُّوا هكذا نِسبةً لأقنوميوس الذي كان من مدينة غلاطية، وكان يُعِيد معمودية من عمَّدهم الآريوسيون, ومن عمَّدهم الأرثوذكسيون أيضاً.بتغطيسهم غطسة واحدة, جاعلاً أرجلهم إلى فوق, ورؤوسهم إلى أسفل, وقائلاً: «يُعمَّد باسم الآب غير المخلوق !», وقد نفاه الملك ثيئودوسيوس, فظلَّ في منفاه حتى مات.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ187. [(المونتانيون) دُعُوا هكذا نسبةً إلى مونتانوس الذي نشأ في القرن الثاني في مدينة ميسيا من أعمال فيريجيا (ولذا سُمِّي أتباعه أيضاً فريجيين). وكان يدَّعي النُّبوَّة, ويُسمِّي نفسه المُعزِّي، وكانت له امرأتان, هُما بريسكلا ومكسميلا. وكانتا تتبعانه أينما يسير, مُدَّعيتا النُّبوَّة أيضاً !كما كان يُنادي بالطَّلاق, ويُحرِّم على الناس الأطعمة المُحلَّلة. وكانوا يعتبرون الثّالوث الأقدس أُقنُوماً واحداً !]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ189. [أُثيرت في المجمع المسكوني الثاني فكرة تقدُّم أساقفة بعض الكنائس المسيحية على البعض الآخر. حتى أنَّ آباء هذا المجمع قد أثبتوا ذلك بوضوح في القانون الثالث الذي وضعوه. غير أنَّ كنيسة روما عادت فنادت أخيراً بأنَّ لأسقفها التَّقدُّم والرِّئاسة على سائر الأساقفة ! وادَّعت أنَّ في قوانين المجامع ما يُثبِت هذه الرِّئاسة ويؤيدها.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ197-199. [وَضَعَ آباء المجمع المسكوني الثاني،الجزء الأخير من قانون الإيمان الخاص بلاهوت الرُّوح القُدُس كما أوضحنا. وأبانوا فيه انبثاق الرُّوح القُدُس من الآب فقط، وتمسَّكت الكنيسة شرقاً وغرباً بما دوَّنه الآباء، دون زيادة أو نقص. ولكن كنيسة روما، قامت بعد بِضْع قُرُون من وضع هذا القانون وأضافت عليه لفظة «والابن», ثمّ نادت بانبثاق الرُّوح القُدُس من الآب والابن. ولقد حدَّدت عقيدتها هذه في المجمع اللِّيوني الثاني, الذي التأم في عهد البابا غريغوريوس العاشر، حيث أُثبِتَ قانون الإيمان مع الزِّيادة التي أُدخلت عليه، فقال: «نؤمن بالرُّوح القُدُس المُنبثق من الآب والابن»، كما أعلن المجمع الفلورنتيني قائلاً: «نُحدِّد … أنَّ الرُّوح القُدُس مُنبثق مُنذ الأزل من الآب والابن, كَمِنْ مصدر واحد, ومن نفخة واحدة». ولسنا ندري كيف استساغت كنيسة روما لنفسها أن تعبث بقانون الإيمان رغم تحديدات الآباء القديسين الذين اجتمعوا في المجامع المسكونية, التي تَحْرِم كلّ من تُسوِّل له نفسه أن يُحدث تغييراً فيما وضعوه من قوانين. على أنَّ هذه الكلمة الواحدة التي أضافوها، قد أحدثت تغييراً في عقيدة «انبثاق الرُّوح القُدُس» التي تُعتبر من أهمّ عقائد المسيحية, والتي نرى أن نُدوِّن عُجالةً عنها في هذا الفصل.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ199-201. [تاريخ إدخال الزِّيادة على قانون الإيمان: أجمع المؤرِّخون على أنَّ أوَّل من نادى بهذه العقيدة الغريبة, عقيدة الانبثاق من الآب والابن, رجل يُدعى«لوكيوس», ظهر في الجيل الثامن، ولقد حاول نشر بدعته في بلاد الشَّرق، ولكن أهلها لم يُذعنوا له، فتركها واتَّجه صوب روما، غير أنَّ مساعيه قد خابت هُناك أيضاً، فذهب إلى فرنسا، وهُناك وجد مرتعاً خِصباً لِبَثّ دعوته ولِنَشْر تَعْلِيمه, حيث عضَّده الإكليروس الفرنسي, وساعده الإمبراطور كارلوس الكبير، الذي أمر بعقد مجمع في مدينة أكوسفرانا سنة 809م, تقرَّر فيه قُبُول إضافة كلمة «الابن» في قانون الإيمان رسمياً. ثمّ أرسل كارلوس من قِبَلِه ثلاثة سُفراء للبابا الرُّوماني لاون الثالث المُعاصر له، وطلب منه أن يُوافق على هذا التَّعليم, ولكن لاون الثالث قد رَفَضَ هذا المطلب, وأبى أن يسمح بإدخال أيّ زيادة على قانون الإيمان ! ثمّ قال لسُفراء كارلوس: «إنِّي لا أعلم ما إذا كان الآباء القُدماء قد عملوا عملاً أفضل بتركهم هذه الكلمة, ولا أقدر أن أؤكِّد أنَّهم لم يُعلِّموا جيداً هذا الأمر كما نُعلِّمه نحن. لأنَّني لا أتجاسر أن أُشبِّه نفسي بهم, فضلاً عن أن أُفضِّل نفسي عليهم ! ومهما كانت غايتنا حسنة, فيجب علينا أن نخشى لئلَّا نضُرّ نحن ما هو في ذاته حسن ببعدنا عن المنهج القديم في التَّعليم، لأنَّ الآباء لمّا منعوا كلّ زيادة في الدُّستور, لم يقسموا النِّيات إلى نية صالحة ونية رديئة, بل منعوا الزِّيادة منعاً مُطلقاً حتى لم يسمحوا ولا بأن يفتكر أحد لماذا فعلوا هكذا !». وبالإضافة إلى هذا الإقرار الواضح، قام البابا لاون الثالث بعقد مجمع في عام 810م, قرَّر فيه حرم كلّ من يقول بالزِّيادة أو يعتقد بها، ولتثبيت المُعتقد القويم, أخرج لوحين من النُّحاس كان القانون القُسطنطيني منقوشاً عليهما باللُّغتين اليونانية واللاتينية, وعلَّقهما على باب الكنيسة, ثم أمر بنقش الدُّستور المذكور على لوحين آخرين من الفضة، وبعدما تمّ ذلك, وضع هذين اللَّوحين على الباب المُقابل لقبريّ القدِّيسَين بطرس وبولس، وذلك بعد أن كَتَبَ على اللَّوحين إقراره الآتي: «أنا, لاون, قد نصبت هذين اللَّوحين حُبًّا بالإيمان الأرثوذكسي وحفظاً له !».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ202، 203. [ولما عُيّن فرموزس (قد يكون بدل الفاء قاف, وقد يكون بعدها سين) – الذي انتقل من كرسي الأسقفية إلى منصب البابوية خلافاً للقوانين – عام 891م، قبل الزِّيادة ! إلا أنَّ البابا استفانوس السادس الذي تنصَّب عام 897م حَرَمَ سلفه فرموزس وقَطعَه من الكنيسة, وذلك بأن أخرج جُثَّته من قبره وحاكمها على تحريف قانون الإيمان, والانتقال إلى كرسي رومة بطُرُق غير شرعية. ثمّ أمر بقطع أصابع يده اليُمنى التي كان يُقدِّس بها القُربان ويبارك الشَّعب ! وألقى بجُثَّته في نهر طيغرى ! فعثر عليها صيّاد ودفنها, ولكنَّ البابا سرجيوس الذي عُيِّن عام 905م بحث عن مكان الجُثَّة وأخرجها وطرحها في نهر تيبر، وقال عند طرحه إيّاها في النَّهر: «إنَّه لا يُريد أن يُقاصص النَّهر الأول مرَّتين !». ومُنذ ذلك الحين، بقِيَت الزِّيادة على قانون الإيمان، بين القُبُول والرَّفض من باباوات رومية، الواحد يُؤيِّدها والآخر يرفضها، إلى أن قام البابا بنديكتوس الثامن الذي عُيِّن عام 1012م, فقرَّر إضافتها رسمياً في دُستُور إيمان اللَّاتين عام 1014م.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ208. [قال القدِّيس أثناسيوس الرَّسُولي في المُجلَّد الثاني لأنطيوخس: «كما أنَّ قُرص الشَّمس وحده هو عِلَّة, وغير مولود من أحد، أمّا الشُّعاع فمعلول, ومولود من القُرص, والنُّور مُنبثق وبارز من القُرص وحده، وهو بالشُّعاع مُرسل ومُشرق على الأرض، هكذا الله الآب وحده عِلَّة الاثنين, وغير مولود، أمّا الابن, فإنَّه من الآب وحده, معلول ومولود، والرُّوح القُدُس نفسه من الآب وحده, معلول ومُنبثق, وهو بالابن مُرسل إلى العالم».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ214، 215. [بدعة بيلاجيوس: وُلِدَ ببريطانيا سنة 405م، ورُسِمَ راهباً فقِسًّا، ثمّ نادى بتعاليم غريبة مضمونها أنَّ خطيئة آدم قاصرة عليه دون بقية الجنس البشري،وأنَّ كلّ إنسان عند ولادته يكون كآدم قبل سُقُوطه ! ثمّ قال إنَّ الإنسان بقُوَّته الطَّبيعية يستطيع الوُصُول إلى أسمى درجات القداسة، بدون حاجة إلى مُساعدة النِّعمة الإلهية ! وبديهي أنَّ في هذه التَّعاليم الفاسدة ما يهدم سِرّ الفِداء المجيد, ويُضعِف من قيمة دمّ المسيح، ويُناقض قول الكتاب: «ها أنا ذا بالآثام حُبِلَ بي, وبالخطية ولدتني أُمِّي» (مز 51 : 5)، «بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم, وبالخطية الموت» (رو 5 : 12)، «كما في آدم يموت الجميع, هكذا في المسيح يحيا الجميع» (1كو 15 : 22). ولقد بقى هذا المُبتدع زماناً ينتقل من بلدة إلى أُخرى, وينشر تعاليمه المُضلَّة هذه, إلى أن حكم مجمع أفسس المسكوني بحرمه وبدعته.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ215، 216. [بدعة نسطور, البطريرك المُبتدع: تعتبر بدعة نسطور السَّبب المُباشر لعقد المجمع الذي نحن بصدده (مجمع أفسس)، ومن المؤلم حقاً أن يكون صاحب هذه البدعة التي أزعجت الكنيسة، وكادت تفصم وحدتها, هو بطريرك القُسطنطينية. وُلِدَ هذا المُبتدع في مدينة تُسمَّى مرعش. ثمّ تعلَّم لدى ثيئوذورس المبسوستي حتى نبغ في عُلُوم كثيرة, وترهَّب في دير مار أبروبيوس بالقُرب من أنطاكية (بسوريا). ولقد أظهر قُبَيل رسامته بطريركاً للقُسطنطينية غيرة في الدِّفاع عن الإيمان ضِدّ المُبتدعين، حتى قال يوم رسامته مُخاطباً الإمبراطور ثيئودسيوس الصَّغير: «استأصل معي أيُّها الملك جماعة الهراطقة, وأنا أردُّ عنك هُجُوم الفُرس الأردياء, وبعد أن تقضي على الأرض حياتك السَّعيدة, أضمن لك أخيراً جنَّة الخُلد في السَّماء !». على أنَّ هذه الغيرة قد تبخَّرت سريعاً ! فلم تمضِ فترة طويلة حتى سَقَطَ نسطور في بدعته الشَّنيعة، وفي ذلك يقول بعض المؤرِّخين: «إنَّ نسطور حارب جميع الهرطقات ليُمهِّد السَّبيل إلى هرطقته !».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ216، 217. [تعاليمه الغريبة: نادى نسطور بأنَّ في السيد المسيح أقنومين وشخصين وطبيعتين، واستنتج من ذلك أنَّه لا ينبغي أن نُسمِّي السيدة العذراء بـ «والدة الإله», كما عاب على المجوس لسُجُودهم للطِّفل يسوع (مت 2 : 11), واستقطع الجُزء الأخير من كلّ من الثَّلاث تقدسات التي تُرتِّلها الكنيسة في صلواتها. وبحُكم منصبه، وبِما له من سيطرة وسطوة, بدأ ينشر تعاليمه في كلّ مكان, مُستخدماً في ذلك بعض الكهنة والأساقفة أيضاً ! ولمّا سمع مسيحيو القُسطنطينية أقواله هذه, رفضوها لعدم استقامتها. وبدأوا يثُورون ضِدَّه، ولكنَّه أمعن في عِناده، وإذ حضر جمعٌ من الرُّهبان أمامه, وأوضحوا له خطأ تعاليمه وانحرافه عن الإيمان القويم, غَضِبَ عليهم, وأمر بسجنهم في الكنيسة. كما أمر خدمه بضربهم وإهانتهم ! وحالما سَمِعَ القدِّيس البابا كيرلُّس الإسكندري بهذه البدعة, كَتَبَ يُفنِّدها, ويُثبت التَّعليم الصَّحيح، وأرسل رسائل كثيرة لنسطور, كما سيجيئ في الفصل القادم, ولكنَّه رُغم كلّ هذا لم يرتدع, ولم يتنازل عن وخيم تعليمه.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ218. [النَّسطورية بعد نسطور: على أنَّ البدعة النَّسطورية لم تمُت تماماً بموت نسطور, وإن كانت قد ضعفت كثيراً, ذلك لأنَّ مُعلِّمي مدرسة الرَّها, وتلاميذها من السُّريان, تمسَّكوا بتعاليم نسطور الخاطئة, وبدأوا ينشطون في نشرها، ولمّا طردهم أسقف المدينة، هربوا إلى نصيبين ومعهم بعض الكهنة، وهُناك شيَّدوا مقرًّا لهم, ورسموا رئيساً عليهم دعوه «جاثليقاً» (رئيساً عامًّا), وعملوا على نشر بدعتهم في بلاد فارس وآشور والهند وغيرها. ولازال بعض النَّساطرة حتى الآن في جبل سنجار على حُدُود بلاد فارس، وفي ملبار بالهند.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ222. [أوَّلاً: كان أمامه (أي: أمام كيرلُّس) كتابات الإمبراطور الفيلسوف يُوليانوس الجاحد, التي دوَّنها في عشرة كُتُب، شحنها بالقذف في الدِّيانة المسيحية، وملأها بالطَّعن في ألوهية السيد المسيح وأقواله وتعاليمه، وكان الوثنيون يعتبرون هذه الكُتُب مفخرة لهم، فكُتُب البابا كيرلُّس خطاباً للإمبراطور ثيئودوسيوس الصَّغير أبان له فيه خُطُورة ما في كُتُب يوليانوس من إلحاد وتضليل. وطلب منه أن يجمع نسخها ويحرقها. فنفَّذ الإمبراطور هذا الطَّلب، وأرسل إلى القدِّيس كيرلُّس يطلب الصَّلاة من أجله. على أنَّ البابا لم يكتفِ بذلك، بل بدأ يُدوَّن رُدُوداً قوَّية, وميامر كثيرة, يدحض بها ما في هذه الكُتُب من ضلال، ولم يهدأ حتى لمس زوال آثار هذه المؤلَّفات الفاسدة.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ223. [ولقد واجه البابا كيرلُّس أيضاً ثورة جامحة بين اليهود والمسيحيين، إذ لمّا لمس اليهود انتشار المسيحية ونُمُوِّها، سعوا لدى الولاة والحُكّام بالرَّشوة كي يحظوا بمُساعدتهم ضِدّ المسيحيين. وفي ذات ليلة, أشاع اليهود أنَّ النار قد نشبت في كنيسة القدِّيس إسكندر بالإسكندرية، فأسرع المسيحيون كِباراً وصغاراً إلى الكنيسة المذكورة لإخماد الحريق، ولمّا امتلأت بهم الشَّوارع المُحيطة بالكنيسة،هَجَمَ عليهم اليهود وفتكوا بهم. وأسالوا دماءهم في قسوة ووحشية. وفي الصَّباح شعر المسيحيون بالأمر. وتجمهروا كي ينتقموا من اليهود، وعبثاً حاول البابا كيرلُّس أن يمنعهم من ذلك، وأخيراً سَمَحَ لهم بطردهم من المدينة دون أن يقتلوا أحداً منهم، فتمّ ذلك, واستولى المسيحيون على معابدهم بكلّ ما فيها.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ227، 228. [(من إحدى رسائل كيرلُّس لنسطور): «لو لم تكُن أسقفاً ما اهتمَّ بك أحدٌ، ولكنَّك جالس على كرسي ابن الله، فهل يليق بك أن تستغلّ مركزك هذا في التَّهجُّم عليه بذلك التَّجديف الذي تعجز عن إثباته ؟ كيف هداك البحث إلى أنَّ المسيح إنسان ؟ ومن أي المراجع استخرجت هذه البدعة، أمن العهد القديم أم الجديد ؟! لقد سمّاه العهد القديم الله الابن, وابن الله الآب، وسمّاه إنجيل يوحنا الابن الوحيد الذي في حضن أبيه، وقال عنه متَّى، إنَّه عمّانوئيل، الذي تفسيره الله معنا. وشَهِدَ عنه مرقس في إنجيله إنَّه لمّا سأله رئيس الكهنة قائلاً: هل أنت ابن الله ؟ قال نعم، أنا هو، ومن الآن ترون ابن الله جالساً عن يمين العظمة ومُقبلاً على السُّحُب، ليدين الأحياء والأموات. ألم يقل الملاك للعذراء: إنَّ الذي تلدينه هو من الرُّوح القُدُس, وإنَّه ابن العلي يُدعى ؟! ومن الذي حمل خطايا العالم ؟ أليس هو المسيح ابن مريم، الله الكلمة المُتجسِّد ؟ إن كنت مُعتقداً أنَّه نبي كموسى، فهل حمل موسى أو غيره من الأنبياء خطايا العالم كما حملها السيد له المجد ؟ لقد قال عنه بولس: ليس هو إنسان، بل هو الله صار إنساناً، فهل رأيت الآن كيف اعترف الجميع بألوهيته ؟ فكيف تنكرها أنت ؟!».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ233. [ولقد بَعَثَ القدِّيس كيرلُّس هذه البُنُود إلى نسطور, طالباً منه التَّوقيع عليها، غير أنَّه أَبَى، وقابل ذلك بكتابة بُنُود ضِدَّها تؤيِّد بدعته ! وساعده على ذلك بعض أساقفة أنطاكية من مُعتنقي تعاليمه. وهكذا انقسمت الكنيسة إلى قِسْمَين، فكنائس روما وأورشليم وآسيا الصُّغرى وقفت في جانب القدِّيس كيرلُّس الإسكندري، أمّا كنيسة أنطاكية فانحازت لنسطور ! وأخيراً، انعقد المجمع المسكوني الثالث، وقرَّر حَرْم هذه البدعة، كما سيجيئ في الفصل القادم.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ242-244. [وُفُود الأساقفة: بعد أن احتفل الأساقفة – كلُّ في مقرِّه – بعيد القيامة المجيد, بدأوا يُعدُّون العُدَّة للذَّهاب إلى مقر المجمع في أفسس، وقُبَيل الموعد المُحدَّد، وصلت وُفُود الأساقفة، فجاء القدِّيس كيرلُّس البابا الإسكندري يصحبه خمسون أسقفاً مصرياً. كما حضر المجمع معه: الأنبا شنودة رئيس المُتوحِّدين, والأنبا بقطر السُّوهاجي رئيس دير فاو الراهبين, كما جاء يوبيناليوس أسقف أورشليم, فاستقبلهم ممنون أسقف أفسس (الذي ينحدر إلى أصل مصري), مع مجموعة من الأساقفة القويمي الرّأي،استقبالاً عظيماً دلَّ على ما لهم من مكانة في نُفُوس الجميع. كما حَضَرَ إلى مقرّ المجمع نسطور المُبتدع ومعه أربعون أسقفاً من التّابعين له. وتأخَّر عن الموعد المُحدَّد يوحنا بطريرك أنطاكية وأساقفته، وكذا نُوّاب أسقف روما, ولهذا اضطَّر الآباء إلى تأخير عقد المجمع عن موعده انتظاراً لمجيء بقيَّة الأعضاء. ولكن بعد مضيّ ما يقرُب من سِتَّة عشر يوماً، أرسل كلّ الأساقفة المُتأخرين اعتذاراً، ذاكرين أنَّهم سيحضرون قريباً. كما أنفذ يوحنا بطريرك أنطاكية أسقفين حَمَلا مُوافقته على عقد المجمع قبل حُضُوره، وفي الوقت عينه كان القدِّيس كيرلُّس قد تسلَّم أمراً ملكياً بوُجُوب عقد المجمع حالاً دون تأخير أو إبطاء. عندئذٍ استقرّ رأي الآباء جميعاً على عقد المجمع في اليوم التالي.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ245، 246. [الجلسة الأولى: عقد المجمع أولى جلساته في شهر يونيو عام 431 م، مُتَّخذين الكنيسة الكُبرى بأفسس (كنيسة السيدة العذراء) مقرًّا لهُم، وكان عدد الحاضرين مائتي أسقف. ثمّ طُرِحَت رئاسة المجمع على الآباء, فأجمع الكُلّ على انتخاب القدِّيس كيرلُّس بابا الإسكندرية رئيساً. لِمَا اشتُهِرَ به من غزارة العلم وقُوَّة الحُجَّة وشِدَّة التَّمسُّك بالإيمان القديم، فضلاً عن مُتابعته لبدعة نسطور مُنذ بدايتها.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ249-251. [الحُكم: وقُبَيل انتهاء الجلسة أصدر المجمع حُكمَه ضِدّ نسطور, ونصّه: «حيث أنَّ نسطور كُلِّيّ النِّفاق، قد رَفَضَ أن يخضع لصوت دعوتنا إيّاه, ولم يقبل الأساقفة الذين أرسلناهم إليه من قِبَلِنا، لم يُمكِّننا أن نتأخر عن أن نفحص تعاليمه الآثمة. وبما أنَّنا قد تحقَّقنا من رسائله وأقواله قبل افتتاح المجمع ما يُبرهن على مُعتقده الأثيم, لهذا رأينا بِناءً على القوانين المُقدَّسة، أن نُبرز ضِدَّه هذا الحُكم بكُلّ حُزن ودُمُوع، سائلين المولى بواسطة هذا المجمع المُقدَّس أن يعدمه درجة الأسقفية، وليكُن مُفرَزاً من أيّة شركة كهنوتية». وبعد أن وَقَّع الجميع على الحُكم السّابق، أرسلوا إلى نسطور كتاباً قائلين: «من المجمع المُقدَّس المُلتئم بمدينة أفسس, برحمة الله تعالى, وبموجب تعاليم مُخلِّصنا الفادي, وباسم جلالة الإمبراطور المُحِبّ للعبادة، والحسن الدِّيانة، إلى نسطور يهوذا الثاني: اعلم إنَّه لأجل تعاليمك وعِصيانك على القوانين, قد عُزِلْتَ وقُطِعْتَ من هذا المجمع المُقدَّس, بمُوجب قوانين الكنيسة, وحُكِمَ عليك بأنَّك عديم الدَّرجة, ومسلوب الوظيفة، وغريب (محروم) من كلّ خدمة كنسية». ثمّ قرَّر المجمع بحسب التَّعليم المحفوظ في الكنيسة مُنذ عصر الرُّسُل، أنَّ سِرّ التَّجسُّد المجيد قائم في اتِّحاد اللاهوت والناسوت في أقنوم الكلمة الأزلي, بدون انفصال ولا امتزاج ولا تغيير، وأنَّ السيدة العذراء هي والدة الإله. ووَضَعَ الآباء مُقدِّمة قانون الإيمان كالآتي: «نُعظِّمُكِ يا أُمّ النُّور الحقيقي, ونُمجِّدكِ أيَّتها العذراء القدِّيسة والدة الإله، لأنَّك ولدت لَنَا مُخلِّص العالم، أَتَى وخلَّص نُفُوسنا، المجد لك يا سيدنا ومَلِكَنَا المسيح، فَخْر الرُّسُل, إكليل الشُّهداء، تهليل الصِّدِّيقين، ثَبَات الكنائس، غافر الخطايا، نُكْرِز ونُبشِّر بالثّالوث المُقدَّس، لاهوت واحد، نسجد له ونُمجِّده، يا رب ارحم, يا رب ارحم, يا رب بارك, آمين». وحَكَمَ المجمع أيضاً بِحَرْم بيلاجيوس المُبتدع مع تعاليمه.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ257، 258. [القوانين التي وَضَعَها المجمع (أفسس): في الجلسات الأخيرة، وَضَعَ المجمع ثمانية قوانين لسياسة الكنيسة، قرَّر في السِّتة الأولى منها إيقاع الحَرْم على كلّ من ينحرف عن الإيمان القويم, ويُشارك نسطور في مُعتقده الوخيم. كما وافق على قُبُول كلّ من يرذل هذه التَّعاليم النِّفاقية. وأعلن أنَّ ما يُجريه الأساقفة المُنحرفي الإيمان من رسامات تُعتبر باطلة ولا قيمة لها. وفي القانون السّابع تحذير وحَرْم لكلّ من تُسوِّل له نفسه أن يعبث بقانون الإيمان الذي وضعه الآباء, كأن يزيد عليه أو يُنقص منه, أو أن يرفض التَّمسُّك به. وأمّا القانون الثّامن, فقد حدَّد سُلطة كلّ من الأساقفة, كما حرَّم على الأسقف أن يتعدَّى على حقوق غيره.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ268. [من هو أوطاخي ؟! كان رئيس دير بجوار القُسطنطينية، وكان معروفاً بِعِلْمِه وفَضْلِه، ولمّا شطَّ في أقواله, نادى بأنَّ طبيعة الناسوت تلاشت في الطَّبيعة الإلهية,فصار السيد المسيح بطبيعة واحدة مُمتزجة ! وإذ سَمِعَ أوسابيوس أسقف دوريلاوس بذلك, ذهب إلى أوطاخي, وكان صديقاً حميماً له, وأراد أن يُقنعه بخطأ تَعْلِيمه, ويُرجعه عن بدعة الطَّبيعة الواحدة المُمتزجة, غير أنَّه زَلَّ هو الآخر,فقال بفصل طبيعتي المسيح بعد الاتِّحاد ! وبعد فترة ليست بقصيرة قضياها في النِّقاش والبحث, انصرفا دون أن يقتنع أحدهما برأي الآخر، وذهب أوسابيوس الأسقف إلى فلابيانوس بطريرك القُسطنطينية, وأخبره بالمُعتقد الجديد الذي ابتدعه الأرشمندريت (رئيس الدِّير) أوطاخي. وطالَب بعقد مجمع مكاني في العاصمة للقضاء على هذا التَّعليم الغريب في مهده.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ279-281. [ولكن عندما توفَّى الإمبراطور ثيئودوسيوس, وتنصَّب بدله مركيان زوج بوليكاريا, أشار عليه بعض الأساقفة المقطوعين مِمَّن يُنادون ببدعة انفصال طبيعتي المسيح بعد الاتِّحاد، كيّ يُحضر ديوسقوروس, ويُحاول التّأثير, لعلَّه يقبل التَّعليم الجديد، ويصفح عن الأساقفة المُبتدعين. فدعا الإمبراطور الأب ديوسقوروس إلى القصر الملكي بالقُسطنطينية، كما دُعِي معه أناطوليوس بطريرك القُسطنطينية, ومكسيموس بطريرك أنطاكية, ويوبيناليوس أسقف أورشليم, ومرقس أسقف أفسس، وثلاثة من الأساقفة المقطوعين. ولمّا جلس الجميع على كراسيهم التي أُعدَّت لهم مُقابل مقعدي الملك والملكة، بدأ أحد الأساقفة في مُخاطبة ديوسقوروس بما مُؤدَّاه أن يُذعن لرغبة الإمبراطور، ولا يُخالفه, كي يبقى في منصبه، وإذ أدرك هذا الأب أنَّ الدَّعوة ليست إلا مُؤامرة, قُصِدَ بها إغراؤه للتَّخلُّص من مبادئه القديمة، وقف وقال: «إنَّ القيصر لا يلزمه البحث في الأُمُور الدَّقيقة، بل ينبغي له أن يشتغل بأُمُور مملكته (السياسية) وتدبيرها, ويَدَع الكهنة يبحثون عن الأمانة المُستقيمة ويفحصون الكُتُب، وخير له أن لا يميل مع الهوى, ولا يتَّبع غير الحق». فدُهِشَ الجميع من جُرأة ديوسقوروس النّادرة. وهُنا قالت بوليكاريا زوجة الإمبراطور: «يا ديوسقوروس، لقد كان في زمان والدتي أفدوكسيا إنسانٌ قويٌّ الرّأي مثلك (أي القدِّيس يوحنا ذهبي الفم), وأنتَ تعلم أنَّه لم يرَ من جرّاء مُخالفتها خيراً، وأَرَى أنَّ حالك سيكون مثله». فأجابها ديوسقوروس بكُلّ شجاعة قائلاً: «وأنتِ أيضاً تعرفين كلّ ما جرى لأُمُّكِ، نتيجة اضطهادها لهذا القدِّيس ! وكيف ابتلاها الله بالمرض الشَّديد، الذي لم تجد له دواءً ولا علاجاً حتى مضيت إلى قبره, وبكت عليه واستغفرت الرَّب فعوفيت ! وها أنا ذا بين يديكِ, فافعلي بي ما تُريدين, وستربحين ما ربحته أُمُّك». فثارت بوليكاريا عندما سمعت هذه الأقوال، ومدَّت يدها ولطمت ديوسقوروس لطمة شديدة اقتلعت ضرسين من فمه لشيخوخته.وللحال انهال عليه بعض رجال القصر والحُرّاس وضربوه ضرباً مُبرّحاً، ولكي يُمعنوا في الاستهزاء به, نتفوا شعر لحيته ! أمّا هو فبقي صامتاً يتحمَّل كلّ ذلك بصبرٍ عجيبٍ ويقول (للمسيح): «من أجلك نُمات كلّ النَّهار» (رو 8 : 36), ثمّ جمع الآب ديوسقوروس الضِّرسين مع شعر لحيته وأرسلها إلى شعبه بالإسكندرية مع رسالة قال فيها: «هذه ثمرة جِهادي لأجل الإيمان ! اعلموا أنَّه قد نالتني آلام كثيرة في سبيل المُحافظة على أمانة آبائي القدِّيسين، أمّا أنتم الذين بنيتم إيمانكم على صخرة الإيمان القويم, فلا تخافوا السُّيُول الهرطقية, ولا الزَّوابع الكُفرية» (راجع تاريخ المجامع لابن المقفع، وتاريخ المجامع للمنبجي).]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ284. [انتشرت تعاليم أوطاخي فرذلها الجميع، وحاول فلابيانوس بطريرك القُسطنطينية القضاء عليها بمجمعه المكاني، غير أنَّه طَلَعَ على جماعة المؤمنين ببدعة جديدة,إذ قرَّر الاعتراف بطبيعتين في السيد المسيح بعد الاتِّحاد، القول الذي رفضه سائر المؤمنين لمُخالفته لعقيدة وأقوال الآباء السّالفين. ولهذا، وَجَدَ الإمبراطور ثيئودوسيوس الصَّغير نفسه مُضطراً للدَّعوة لعقد مجمع عام في مدينة أفسس, لمعالجة هذا الوضع، ووَضْع الأُمُور في نِصابها السَّليم.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ290، 291. [حُضُور أوطاخي: ولمّا مَثُل أوطاخي أمام المجمع، طَلَبَ منه الآباء أن يُوضِّح عقيدته، ويشرح تعاليمه فقال: «إنِّي أستودع نفسي للآب والابن والرُّوح القُدُس, ولقول عدلكم الصّادق, فمعي كتابُ اعتقادي, فمُرُوا بقراءته, وقراءة اعتراف الأمانة المُرفق به». وتسلم كبير الكُتّاب اعتراف أوطاخي، وقرأه أمام الآباء جميعاً، فإذا به صُورة صحيحة صادقة لقانون الإيمان الموضوع بمعرفة الآباء في مجمع نقية, وقد ختمه بقوله: «هذا هو الاعتقاد الذي قَبِلْته مُنذ البدء من آبائي، وأنا أعتقد به سابقاً وفي هذا الحين. في هذا الإيمان وُلِدت، ومن الحين قَدِمت لله وبرحمته قبلني، وبه التصقت ورُسِمت وعشت إلى هذا اليوم، وأريد أن أموت فيه. وهذا الاعتقاد كتبه المجمع المُقدَّس العام الذي كان سابقاً, والذي تولَّى عليه أبونا كيرلُّس الأسقف ذو الذِّكر السَّعيد الصّالح، وحدَّد أنَّ من خالفه, أو زاد عليه شيئاً, أو أنقص منه شيئاً, أو علَّم بخلافه, يكون تحت القوانين التي تحرَّرت في ذلك الحين». ولم يكتفِ المجمع بهذا الاعتراف الكتابي، بل طَلَبَ من أوطاخي أن يُوضِّح أبحاثه (رأيه) شِفاهاً، فلم يحد في أقواله قطّ عن العقيدة السَّليمة.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ291، 292. [تبرئة أوطاخي: سأل ديوسقوروس, رئيس المجمع, الآباء عن رأيهم في أمانة أوطاخي واعترافه، فقال يوبيناليوس أسقف أورشليم: «لأنَّه قد اعترف واقتدى باعتقاد مجمع نقية، وبما ثبَّته الآباء في المجمع العظيم، الذي اجتمع سابقاً في هذه المدينة (أفسس), فقد ظهرت أرثوذكسيته، ومن أجل ذلك, حكمت بأن يثبت في درجته وفي ديره». ووافق الأساقفة جميعاً على هذا القرار بقولهم: «حقٌ وعدلٌ هذا الكلام». وبعد أن أعلن جميع الأعضاء رأيهم واحداً فواحداً، قال الأب ديسقورس: «لقد ثبَّتُ أنا أيضاً حُكم هذا المجمع المُقدَّس, وحكمت أنَّ أوطاخي يُحصى في عِداد الكهنة, ويتولى ديره كما كان سابقاً».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ293. [قرارات المجمع: وطلب الآباء قِراءة أعمال مجمع أفسس المسكوني، كما تُلِي قانون إيمان المجمع النِّيقاوي, وتعاليم الآباء القدِّيسين في سِرّ التَّجسُّد المجيد, وبعد البحث الكثير خَلُص المجمع إلى القرار الآتي: «للمرَّة الثانية نُجدِّد القول بطبيعة واحدة بعد الاتِّحاد للكلمة المُتجسِّد،بدون اختلاط أو امتزاج أو استحالة».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ293، 294. [الحُكم على فلابيانوس: وسأل الآباء فلابيانوس بطريرك القُسطنطينية، عمّا إذا كان يُوافق على عقيدة المجمع ويرى رأيه، فقال إنَّه مُتمسِّك بعقيدته التي أعلنها في مجمعه المكاني، وأصرَّ على القول بطبيعتين في السيد المسيح بعد الاتِّحاد ! وبدأ الأساقفة في مُناقشته لإقناعه بالآراء السَّليمة والعقيدة القويمة، لعلَّه يتخلَّى عن تعليمه الغريب، ولكنَّه أبى أن ينصت إلى أقوال الأساقفة، كما رفض الخُضُوع لرأي المجمع. وأخيراً، لم يجد المجمع بُدًّا من حَرْمِه وسِتَّة أساقفة معه، بقوا مُصرِّين على تمسُّكهم بأقوال الهراطقة والمُبتدعين.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ298. [وقال القدِّيس غريغوريوس الثيئولوغس: «هو أقنوم واحد, طبيعة واحدة، سَجَدَ له المجوس، لأنَّ وحدانية الله الكلمة ليست بعدد طبائع ولا أقانيم. فقد وُلِدَ من عذراء, وحَفَظَ أيضاً عذراويتها وبتوليتها بلا تغيير, هو ابن واحد، وليس للمسيح طبيعتان بعد الاتِّحاد، ولا هو مُفترقاً, ولا مُختلطاً فيما اجتمع من الجهتين، لأنَّ طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت اجتمعتا إلى وحدانية».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ300. [وتنحصر نُقطة الخلاف بين كنيستنا القبطية وبين الكنائس الأخرى القائلة بالطَّبيعتين في أنَّه بينما تعترف كنيستنا باتِّحاد الطَّبيعتين لفظاً وفعلاً، تُنادي الكنائس الأخرى بانفصالهما فعلاً, وإن عمدت إلى اتِّحادهما لفظاً ! ولهذا نراها تُفرِّق بين المسيح الإله، والمسيح الإنسان !فتنسب للَّاهوت أحداثاً, وللناسوت غيرها ! أمّا كنيستنا القبطية, فإنَّها ترفض هذا التَّفريق، وتُنادي بأنَّ كلّ ما يتعلَّق باللاهوت, وكلّ ما يتعلَّق بالناسوت, يُنسب على حَدٍّ سواء إلى الكلمة المُتجسِّد دون تفريق.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ302، 303. [إنَّنا لو فرَّقنا بين ما للاهوت وما للناسوت، لانهارت نظرية (مبدأ) الكفارة والفِداء التي تُعتبر أساس المسيحية ! ذلك لأنَّنا نعتقد جميعاً أنَّ كفارة السيد المسيح كانت كافية لوفاء العدل الإلهي، لأنَّها «كفّارة إلهية». ولهذا يقول الرسول: «الذي إذ كان في صورة الله, لم يَحْسِب خُلسةً أن يكون مُعادلاً لله، لكنَّه أخلى نفسه آخذاً صورة عبدٍ، صائراً في شِبْه الناس، وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان، وَضَعَ نفسه وأطاع حتى الموت, موت الصَّليب» (في 2 : 6-8). ونحن نعلم أنَّ اللاهوت لم يَمُت ولم يُسفك دماً، لأنَّ الله كما ذكرنا سابقاً ليس له لحم ودم, وهو حيٌّ لا يموت, أمّا الذي مات فهو الناسوت, وهو أيضاً الذي انحدر منه الدَّم. ولكن، لأنَّ الناسوت كان مُتَّحِداً باللاهوت اتِّحاداً تامًّا فعلياً، اُعْتُبِر الموت موتاً إلهياً، والدَّم دماً إلهياً ! ومِنْ ثمَّ اعتُبرت الكفّارة إلهية أيضاً (وفاعليتها أبدية). هذا ما نصل إليه عندما نُسلِّم بعقيدة الكنيسة القبطية، أي بطبيعة واحدة لله الكلمة المُتجسِّد، أمّا لو سِرنا بحسب عقيدة الكنائس الغربية التي تُنادي بالطَّبيعتين, وتُفرِّق وتُميِّز بين خواصّ كلّ منهما، لاضطررنا إلى اعتبار ذبيحة الصَّليب «ذبيحة بشرية», وكُلّنا نعلم أنَّ «الذَّبيحة البشرية» لا يُمكن أن تكون «ذبيحة كفّارية» !]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ303, 304. [وتعتقد كنيستنا كما تعتقد الكنائس التَّقليدية الأخرى، بأنَّ السيدة العذراء هي والدة الإله، وهكذا أكَّد الآباء القدِّيسون في المجمع الأفسسي المسكوني الثالث على أنَّ هذه التَّسمية لا تستقيم إطلاقاً إلا إذا أخذنا بوجهة نظر كنيستنا القبطية التي فيها تتَّحِد الطَّبيعتان اتِّحاداً كاملاً ! أمّا إذا أخذنا بمبدأ فصل الطَّبيعتين في خواصِّهما وأعمالهما, لقُلنا أنَّ العذراء هي أُمّ ناسوت المسيح فقط، لأنَّه من المُسلَّم به أنَّ العذراء لم تَلِد اللاهوت. ولكن على أساس الاتِّحاد الكامل بين طبيعتيّ السيد، نقول إنَّ العذراء تُدعى بحق «أُمّ الله», كما سمَّتها أليصابات عندما قالت: «من أين لي هذا أن تأتي أُمّ ربي إلىَّ» (يو 1 : 43)،باعتبار أنَّ مريم ولدت إلهاً مُتأنِّساً ذا طبيعة واحدة.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ306. [نثبت هُنا بعض أقوال آباء الكنيسة الأوَّلين، كي تكون كبُرهان ثالث على صِحَّة عقيدة الكنيسة القبطية التي تقول «بطبيعة واحدة لله الكلمة المُتجسِّد»: قال القدِّيس غريغوريوس العجايبي، من كتاب له في الأمانة: «الله الحقيقي الغير جسد ظهر في الجسد وهو تامّ في اللاهوت الحقيقي الكامل، ليس هو شخصين, ولا هو طبيعتين, ومن أجل هذا نَحْرِم المُنافقين». وقال القدِّيس يوحنا ذهبي الفم في المقالة الثالثة من تفسيره لرسالة أفسس: «ولكنِّي أُبيِّن الأمر أنَّ الله الكلمة أخذ الإنسان كلّه من طبيعتنا, وهو كامل في كلّ شيء، وله أقنومه فيه, أعني الكلمة، فلأجل هذا نقول عنه إنَّه طبيعة واحدة، الله الكلمة صار جسداً».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ307، 308. [وقال القدِّيس ساويرس الأنطاكي: «إنَّنا إذا قُلنا بطبيعة واحدة للسيد المسيح من طبيعتيّ اللاهوت والناسوت، نقول أيضاً إنَّ ذلك يكون بغير امتزاج ولا اختلاط ولا فساد, بل مع بقائهما على ما كانتا عليه، فطبيعة الإنسان من طبيعتيّ النَّفس والبَدَن، وطبيعة الجسم من طبيعتيّ الهيولي والصُّورة، من غير أن تنقلب النَّفس بدناً, ولا الهيولي صورة, وبالعكس». وقال القدِّيس بطرس السَّدمنتي في المقالة الثانية من كتابه المُسمَّى بالبُرهان: «إنَّ الكلمة الأزلي نَزَلَ من السَّماء مِن غير انتقال ولا تغيير.وتجسَّد من مريم بجسدٍ كاملٍ ذي نفس عاقلة ناطقة، فصار بالاتِّحاد واحداً، وطبيعة واحدة, إنَّه ما يُسمَّى مسيحاً إلا باتِّحاد اللاهوت والناسوت، وإن كان الاتِّحاد قد وحَّدهما وجعلهما طبيعة واحدة, فلا يجوز في الشَّرع أن يُقال إنَّ منهما طبيعتين، بل طبيعة مُوحَّدة !».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ315. [إذ جاء فيها (رسالة من أسقف روما لاون) ما نصّه: «… ثمّ ولكي ما الطَّبيعة الغير قابلة التّألُّم تُوفي دين جنسنا, اتَّحدت مع الطَّبيعة القابلة الآلام, حتى كحسب ما كان يُطابق لمعالجة أسقامنا, يسوع المسيح الإنسان الوسيط بين الله والناس, يجعل له سبيلاً إلى الموت في الطَّبيعة الواحدة، حيث كان مُنزَّهاً عن الموت في الطَّبيعة الأخرى … ليس يُوجد البتَّة في هذا الحقّ كذب, إذ هُما موجودان بعضهما مع بعض، اتِّضاع الإنسان وعُلُوّ الألوهية … كلّ واحدة من الصُّورتين تفعل ما يختصّ بها بالاشتراك مع الأخرى، أعني الكلمة يفعل ما يختصّ بالكلمة، واللَّحم يُكمِّل ما يختصّ باللَّحم (الجسد), فالواحد من المذكورين يُبهِر بالمعجزات، والآخر ملقى للإهانات !».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ320، 321. [سمع ديوسقورس وهو في مقرّ كُرسيه الإسكندرية بما بذله أسقف روما من مُحاولات لعقد مجمع لديه, كما وصل إليه رفضه لقوانين مجمع أفسس الثاني وقراراته. وزاد الطِّين بِلَّة، أنَّ لاون قد أفسح صدره للمُبتدعين من أتباع نسطور الذين جرَّدتهم المجامع المسكونية من رُتَبِهِم الكهنوتية لانحرافه عن القواعد الإيمانية. وإذ أعلن لاون أنَّه مُتمسِّك كلّ التَّمسُّك بأقواله التي دوَّنها في رسائله التي بعث بها إلى فلابيانوس، تلك الرَّسائل التي تُثبت في جلاء لا غُمُوض فيه أنَّه (لاون) قد تردَّى فيما تردَّى فيه فلابيانوس، وحُرِم من أجله، لهذا لم يرَ ديوسقورس بُدًّا من أن يعقد مجمعاً من أساقفته في مدينة الإسكندرية,انتهى إلى إصدار قراره بِحَرْم لاون، عندما تأكَّد من ثُبُوت الأسباب السّابقة مُجتمعةً.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ324، 325. [في القُسطنطينية: وعقد الإمبراطور مركيان مجمعاً في قصره في القُسطنطينية، دَعَا إليه كثير من الأساقفة سِيَّما النَّسطوريين ! كما بَعَثَ برسالة للبابا ديوسقورس ليحضر هذا المجمع. وحَضَرَ ديسقورس، ودُهِشَ كثيراً عندما رأى هذا العدد الكبير من الأساقفة مُجتمعين بلا سبب، ولا مُبرِّر ! وإذ قيل له بأنَّ الملك يهدُف من وراء ذلك إلى توضيح الإيمان، قال في جُرأته المعهودة: «إنَّ الإيمان لفي غاية الكمال، لا يعوزه شيء من الإيضاح، وهو مُقرَّر ومُثبت من الآباء، أمثال أثناسيوس وكيرلُّس وغيرهم». ولقد حاول البعض أن يستميلوه ليُوافق على رسالة لاون التي تُثبِت الطَّبيعتين بعد الاتِّحاد، وعندئذ قال: «إنَّ اعتقاد البَيْعَة ينبغي ألا يُزاد عليه أو يُنقص منه. فالمسيح واحدٌ بالطَّبع والجوهر والفعل والمشيئة, كما كَرَزَ الآباء». ثمّ بدأ يشرح لهم صِحَّة هذه العقيدة, وخطأ تعليمهم الجديد الذي يهدفون إلى تثبيته، مُوضِّحاً كلماته بكثير من الأمثلة. وما أحسن ما قاله لهم: «اسمعوا ماذا قال القدِّيس كيرلُّس: “إنَّ اتِّحاد اللاهوت بالناسوت هو كاتِّحاد النار بالحديد، فإذا ضُرِبَ الحديد بالمطرقة، فإنَّ الحديد هو الذي يتأثَّر, ولكنَّ النار لا يلحقها شيء”». وبعدما انتهى من خطابه، اقتنع أغلب الأساقفة برأيه، فلم يجد مركيان بُدًّا من أن يرفع الجلسة إلى موعدٍ آخر.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ326. [ولكنَّنا نرى أنفسنا الآن، أمام مجمع عجيب غريب ! نَسَى جُلّ أعضائه, أو تناسوا, أنَّهم رُعاة المسيح، فانساقوا وراء أضاليل روما، ورغبوا في تملُّق المَلِك والمَلِكَة، ولو كان على حساب الإيمان ! وهكذا انعقد مجمع خلكيدونية وانفضّ دون أن يورث الكنيسة شيئاً سِوَىالانقسام والأحزان!]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ327، 328. [وُفُود الأساقفة: اختلف المؤرِّخون في عدد آباء هذا المجمع، فَمِنْ قائل أنَّهم كانوا 330 أسقفاً، ومنهم من قائل أنَّهم بلغوا 630 أسقفاً ! ومن الآباء المشهورين الذين حضروه, الأنبا ديوسقورس البابا الإسكندري مع بعض أساقفته، ويوبيناليوس أسقف أورشليم, ومكسيموس بطريرك أنطاكية، وأناطوليوس أسقف القسطنطينية، كما أوفد لاون أسقف روما ثلاثة نُوّاب, هُم الأسقفان باسكاسينوس ولوشنسيوس والقِسّ بونيفاسيوس. ولقد حَرِصَ الملك مركيان وزوجته بوليكارية على حُضُور المجمع ومعهما عدد كبير من أفراد حاشيتهما، وكثير من الضُّباط والجُنُود بملابسهم الرَّسمية. كما حَضَرَ القُضاة الذين اختيروا لإدارة جلسات المجمع.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ328، 329. [الجلسة الأولى: عُقِدَت الجلسة الأولى في اليوم الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عام 451م, في كنيسة القدِّيسة أوفيمية. ثمّ وَقَفَ الملك مركيان, وألقى خِطابه التَّقليدي الذي أوضح فيه أنَّ غايته من حُضُور المجمع هو حِفظ النِّظام.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ336. [الحُكم السّاقِط ! وأخيراً، أصدر هذا النَّفر من الأساقفة حُكمه المُغرِض على الأب ديوسقورس في غيابه، وغياب أساقفته, وفي غياب القُضاة ونُوّاب الملك ! وقالوا في حُكمهم الزّائف ما نصّه: «قد ظَهَرَت وتحقَّقت الأُمُور التي صنعها ديوسقورس … فقد قَبِلَ أوطاخي بِخِلاف ما تأمر به القوانين … واستخلص لذاته الولاية قهراً … ولم يأذن أن تُقرأ رسالة لاون المُرسَلَة إلى فلابيانوس … وقد زاد إثماً على سيِّئاته الأولى فيما تجاسر وحَرَمَ لاون, الحبر الأقدس صاحب كرسي كنيسة رومية … وقد دعاه المجمع ثلاث دُفعات بموجب القوانين الكنسية، فخالف أمره, وأبى السَّير إليه … فلأجل ذلك, لاون الحبر الأقدس بواسطتنا … قد نزع عنه درجة الأسقفية, وعزله من خدمة الكهنوت. فالآن، هذا المجمع المُقدَّس يحكم في دعوى ديوسقورس بما رسمته القوانين».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ338. [البابا ديوسقورس يُثبِت التَّعليم السَّليم: أظهر البابا ديوسقورس رغبته في قراءة عقيدة الخلكيدونيين الإيمانية، فبعثوا بها إليه, فتلاها أمام مجموعة من الأساقفة، وإذ وجدها مُخالفة لأقوال البُيْعَة المُقدَّسة, كَتَبَ على هامش الكِتاب المُدوَّنة فيه ما يُظهر فسادها ! كما كَتَبَ يَحْرِم كلّ من يتجاسر على تغيير العقيدة الأرثوذكسية الصَّحيحة, أو من يتلاعب بقوانين المجامع المسكونية ! وما أن تسلَّم الخلكيدونيون كتاب أمانتهم، ورأوا فيه حَرْم ديوسقورس لها، حتى أسرعوا إلى الملك يُعلمونه بما فعله هذا الأب،فاغتاظ مركيان وعَزِمَ على قتله، ولكنَّه إذ أدرك خُطُورة ذلك, عَدِلَ عنه, واكتفى بنفيه إلى جزيرة غاغرا.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ352-354. [عقيدة أوطاخي: ويُهمّنا كثيراً أن نُدوِّن هُنا بعض ما ذكره الكتاب عن عقيدة هذا المُبتدع, لنتمكن من مُقارنتها بالعقيدة السَّليمة الصَّحيحة. قال العلّامة أبو اسحق بن العسّال, في الباب التاسع من كتابه «أُصُول الدِّين», ما نصّه: «إنَّ أوطاخي المذكور قال إنَّ ابن الله الأزلي لم يأخذ من مريم شيئاً, ولكنَّه استحال وتغيَّر وصار لحماً ودماً, وجاز في مريم من غير أن يأخذ منها شيئاً». وقال أيضاً: «أوطاخي القُسطنطيني هذا كان قِسًّا (رئيس دير), وقال إنَّ جسد السيد المسيح لطيف, وليس هو كالأجسام البشرية, ولم تحلّ به الآلام». وقال المؤرِّخ ابن الرّاهب, معرض حديثه عن المجمع الخلكيدوني, ما نصّه: «كان أوطاخي قِسًّا من القُسطنطينية, نادى بأنَّ جسد المسيح ليس مُساوياً لأجسادنا, ولم تحلّ به الآلام». وأثبت العلّامة غريغوريوس, الشَّهير بابن العبري, في الرُّكن الرّابع من كتابه المُسمَّى «منارة الأقداس» قوله: «إنَّ أوطاخي هذا كان يقول إنَّ الله الكلمة لم يأخذ من العذراء شيئاً, لكنَّه في ذاته قد تغيَّر وصار لحماً». جاء في كتاب: «الدُّرة النَّفيسة في تاريخ الكنيسة», في القسم الخامس من الجيل الخامس ما نصّه: «إنَّ أوطاخي أنكر وُجُود طبيعتين مقترنتين في المسيح، زاعماً أنَّ الإله الكلمة انحدر من السَّماء بجسد سماوي، واجتاز في البتول مُتخيِّلاً أنَّه وُلِدَ منها, ولم يولد على الحقيقة». وفي كتاب «تاريخ المجمع الخلكيدوني» (الكاثوليكي, باب31 صـ206): «إنَّ أوطاخي كان يقول إنَّ اللاهوت هو مُتغيِّر ومُتألِّم, وكان يُنكر اتِّحاد الكلمة مع الجسد والنَّفس النّاطقة». وقال الأسقف الرُّوماني, مؤلِّف كتاب «الإيمان الصَّحيح», إنَّ لاون بابا رومية قال: «إنَّ أوطاخي مُوافق لرأي أبوليناريوس, ويجب أن يُحْرَم بما أنَّه جحد حقيقة الجسد والنَّفس في المسيح, وأضاف إلى اللاهوت الولادة, ثمّ النُّمو والصَّلب والموت».]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ354-356. [عقيدة ديسقورس: ممّا سَبَق يتَّضِح لنا أنَّ أوطاخي كان يُنادي بأنَّ جسد المسيح كان خيالياً, وأنَّه لم يأخذ شيئاً من السيدة العذراء، كما أنكر كون السيد مُتأنِّساً, إذ مَزَجَ إحدى طبيعتيّ المسيح بالأخرى. وشتّان بين هذه الأقوال الكُفريَّة وبين عقيدة البابا ديوسقورس السَّليمة التي تَسلَّمها من الآباء القدِّيسين, والتي تَتَّضِح ممّا يلي: جاء في كتاب «تاريخ المجمع الخلكيدوني» الكاثوليكي (باب18, صـ99) أنَّ الأب ديوسقورس قال في جلسة المجمع الأولى ما نصّه: «إذا كان أوطاخي قد جَحَدَ العقيدة الصَّحيحة (التي دوَّنها في اعترافه), وذَهَبَ بخلاف مذهب البَيْعَة, فهو لا يستحقّ العقاب فقط, بل هو جديرٌ بأن يُحرَّق بالنار أيضاً. أمّا أنا, فلا أتزعزع قيد أنمُلة عن إيمان الكنيسة الجامعة الرَّسُولية, ولا أهتمّ بشيء إلا بخلاص نفسي, وبالأمانة المُستقيمة الصَّحيحة». وفي الباب الحادي والعشرين (ص114، 115) من الكتاب السّابق ذكره, أنَّه عندما قِرَئ قول أسطاسيوس أسقف بيروت, وهو: «أنَّ كيرلُّس العظيم برهن في رسائله إلى الأساقفة, أكاكيوس وباليريانوس وسوسيقي، أنَّه لا ينبغي أن نفهم طبيعتين للمسيح، بل طبيعة واحدة لله الكلمة المُتجسِّد», صاح الخلكيدونيون قائلين: «هذا هو قول أوطيخا، وهكذا يقول ديوسقورس». فأجاب البابا ديوسقورس وقال: «لسنا نقول بالاختلاط, ولا بالامتزاج, ولا بالاستحالة». كَتَبَ البابا ديوسقورس, وهو في منفاه بجزيرة غاغرا بفلاغونيا, إلى شخص يُدعى ابريطن, برسالة يدحض فيها البدعة الأوطاخية، لازالت مُدوَّنة بكتاب «اعترافات الآباء», قال فيها: «يجب علينا أن نقلع ونخرج عن كلّ من يقول إنَّ الله الكلمة تألَّم بلاهوته، أو مات، أمّا نحن, فلا نؤمن هكذا, بل أنَّ كلمة الله صار جسداً، وبقِيَ بلا ألم ولا موت بالجملة بلاهوته، لكنَّ قوماً يظُنُّون ويقولون إنَّنا إذا قُلنا إنَّ المسيح تألَّم بالجسد لا باللاهوت, نوجد في هذا القول مُوافقين لمجمع خلكيدون، ونحن نُجيبهم ونقول إذا كان أهل مجمع خلكيدون يعترفون أنَّ الله الكلمة تألَّم بالجسد لا باللاهوت، فإنَّنا نُوافقهم». ثم خَتَمَ كلامه بإثبات الطَّبيعة الواحدة للأقنوم الواحد, الذي هو الابن المُتجسِّد, مُستشهداً بما قاله أثناسيوس الرَّسولي وكيرلُّس وغيرهما.]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ364، 365. [بعد انفضاض مجمع خلكيدون، رفضت أغلب الكنائس الأرثوذكسية الرَّسُولية، كالإسكندرية وأورشليم وفلسطين وغيرها، قُبُول قراراته، واعتبرته مجمعاً زائفاً ! لابتداعه تعليماً غريباً، ومُناداته بطبيعتين في السيد المسيح بعد الاتِّحاد. وهال الإمبراطور مركيان، أنَّه يرى شُعُوب وأساقفة هذه الكنائس، وقد رفضت قرارات ذلك المجمع التي اعتمدها ! وعندئذٍ عَمِدَ إلى استخدام القُوَّة لحمل هؤلاء المؤمنين على قُبُول المجمع والعقيدة الجديدة ! على أنَّ شُعُوب هذه الكنائس, عدا نفراً يسيراً منهم, قد أظهروا تمسُّكاً شديداً, وغيرة حميدة على الإيمان الأرثوذكسي, وكانوا يُسلِّمون حياتهم رخيصة للقتل والامتهان دون أن يعترفوا بِصِحَّة مجمع خلكيدون وقراراته، ما دام قد خرج على الإيمان !]
كيرلُّس الأنطوني (قُمُّص): عصر المجامع, مكتبة المحبة – صـ369. [وفي بلاد السُّريان: قدَّم جُنُود الملك مركيان قرارات مجمع خلكيدون للقدِّيس أنبا أبرام, أب رُهبان السُّريان, ليُوقِّعها. ولمّا رفض, أماتوه رجماً بالحجارة، ثمّ توغَّل الجند في البلاد (سُوريا), واستشهد كثيرون من الذين رفضوا قرارات المجمع, وهرب البعض, فنَهَبَ الجُند أملاكهم.]
الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق