أي تقليد يعتبر مزيفاً حتى تثبت صحته
Richard T. France
أيمن تركي
يحكي لنا الفيلسوف والمؤرخ البريطاني: برتراند راسل[1] كيف أن الخرافات كانت لديها المقدرة أن تنتشر بسرعة جداً كواقع تاريخي حقيقي بين المسيحيين المؤمنين إذا توافرت لها البيئة الصالحة لنموها ورعايتها وتعين سببها، ففي كتابة (الدين والعلم) يشرح لنا كيف أن الدوافع الاقتصادية كانت تستخدم من قِبَل الكنيسة للمتاجرة بمخلفات القديسين كمصدر دخل لها، ناقلاً تقليد إيمان الناس لقرون طويلة بقدرة عظام القديسة روزاليا المحفوظة فى باليرمو بإيطاليا على شفاء الأمراض قبل أن يكتشف أحد علماء التشريح أن تلك العظام ما هي إلا عظام ماعز ولا تمت للبشر بصلة[2] !!
هنا فإن (حاجة) المجتمع المسيحي في فترة ما كانت هى المحرك الرئيسي لنشأة التقليد الخرافة وتناقله، الأمر الذى أدى إلى ترسيخه كحقيقة وصار له كيان في التاريخ ولم يعد من السهولة إنكاره حتى ولو اكتشفنا أن أصله كان مبنياً على كذبة، وذلك لأن الخرافة لها المقدرة على التكيف نظراً للغتها الشفوية وتناقلها من فم إلى فم لذا فقد كان لدي تلك الخرافة القدرة الكافية للتضخم من فرد إلى اثنين إلى كل المجتمع[3]، حتى صارت الخرافة (حقيقة) تنتقل من جيل إلى جيل.
في بحثنا هذا سنرى باختصار أنه لا يختلف المجتمع المسيحي عبر عصوره عن التبلور الفكري والتاريخي حسب حاجة (المجتمع)، فإذا كانت لدى الكنيسة بتلك الفترة الرغبة في هالة دينية لها بعد اقتصادي خفي فإن الكنيسة الرئيسية القديمة والكنيسة الحديثة كانت لديها نفس الاحتياجات مع اختلاف الأبعاد والأسباب.
التقليد
يقول علماء المسيحية أن كلمة التقليد (Tradition) هي كلمة مأخوذة من الكلمة اللاتينية (Traditio) والتي هي في الأصل ترجمة للكلمة اليونانية (Paradosis)، ومعنى تلك الكلمة حرفياً هو: ما يتم تسليمه من شخص لشخص كما تُسلم العصا فى سباقات التتابع، أما الشيء الذي (يُقلد) فهو الشيء الذي سلمه الشخص للشخص الآخر.[4] وفقاً للعهد الجديد فإن التعاليم المسيحية كانت تنتقل في إطارين، الشفهي والكتابي، حيث يقول القديس بولس بالإصحاح الثاني من رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي ((فاثبتوا إذا أيها الإخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا))[5]، من هذا النص أيضاً فإنه بإمكاننا أن نتفهم طبيعة العلاقة المترابطة بين التقليد الشفهي والتقليد المكتوب.
فالتقليد الشفهي له حالتان فقط في العلاقة مع التقليد المكتوب:[6]
· يمكن أن يتقاطع مع التقليد المكتوب في تفاصيل معينة لكنه ليس بالضرورة يجب أن يتداخل بشكل كلي مع التقليد المكتوب[7]
· يمكن أن يتوازى التقليد الشفهي مع التقليد المكتوب بجانب بعضهما بدون أن يتداخلا أو يتماسا من الأساس
العلاقة الأولى: علاقة التداخل غير المتطابق:
لعلاقة الثانية: علاقة التوازي غير المتماس:
التقليد الشفهي
التقليد الشفهي هو التعاليم والأقوال التي تناقلها المجتمع المسيحي خلال الفترة من بداية رحلة يسوع وحتى نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني.
ففي تلك الفترة تناقلت شفهياً أقوال يسوع وقصص أعماله ومعجزاته بين المسيحيين، مصدر هذا التقليد وفقاً لإيمان الكنيسة كان هو التلاميذ بعد يسوع نفسه، ورغم عدم توافر أي تقليد اليوم عن أي كرازة مادية أو أقوال منقولة عن معظم هؤلاء التلاميذ[8] وتأكيد العلماء على صعوبة قيام التلاميذ بعمل جلسات ومحاضرات دورية أو منظمة عن يسوع[9] إلا أن البعض يرى أن التقليد في تلك الفترة عُد هو المادة الخصبة التي اعتمد عليها مؤلفو الأناجيل الحالية في تجميع روايتهم عن حياة يسوع.
وجود هذا التقليد لم يكن حكراً على الكنيسة الرئيسية فالكنائس الأخرى والتي تعدها الكنيسة اليوم من الطوائف المهرطقة كالغنوصية كانت تعتبر أناجيلها أصلية لأنها تقدم التعليم السري عن حياة وتعاليم يسوع الذي تسلمته تلك الكنائس من التلاميذ أنفسهم.
لا يقتصر هنا التعقيد التاريخي في فهم هوية التقليد الشفهي في تلك الفترة على انقسامه بين الكنائس الأرثوذكسية والكنائس المهرطقة، وإنما يظهر التعقيد بشكل أكبر في الخلافات بين التقليد الشفهي بين الكنائس الأرثوذكسية نفسها، الأمر الذي جعل بعض علماء المسيحية اليوم يقرون بأنه: (( ليس من الممكن تاريخياً فهم نشأة تقليد المسيحيين الأوائل بالبدء مع وعظ الكنيسة الرئيسية ))[10]
فالدلائل التاريخية في كيفية التعامل الحر لكتبة الأناجيل مع مصادر أناجيلهم يشهد وبوضوح لفكرة التقليد الحر ذاته المتضمن لأقوال يسوع وأعماله. فهناك على الأقل دليل قوي على أن الكنيسة الرئيسية لم تتعامل مع التقليد المُسلم لها بصورة حرفية وإنما كان هناك سياقات تاريخية ومتطلبات مجتمعية ساهمت فى ظهور أشكال مختلفة من التقليد الشفهي، هذه الأشكال ليست بالضرورة هي اختلافات تكاملية ولكنها في حقيقة الأمر قد تظهر أنها تقاليد متضاربة. فما كانت تؤمن به كنيسة ليس بالضرورة أن يكون هو نفسه ما تؤمن به الكنيسة المجاورة. فضلاً عن أن التقليد الشفهي كان متاحاً للعامة يتناولونه شفهياً بدون أي قيود.
يمكن تحديد موثوقية التقليد الشفهي بالكنيسة الرئيسية من خلال مقارنة هذا التقليد مع الدراسات العلمية الحديثة فضلاً عن إيمان الكنيسة المتأخرة الحالية.
ففي بداية القرن الثاني[11] دَوَّن القديس (بابياس) أسقف كنيسة هيرابوليس أقوال وحياة يسوع المسيح المنقولة عبر التقليد الشفهي بخمسة مجلدات ضخمة زاعماً نقل تلك الأقوال من الصوت الحي للتلاميذ والآباء الرسل من بعدهم.[12] وبرغم أهمية عمل مثل هذا فى ذلك الزمن إلا أنه من الغرابة أن الكنيسة لم تهتم به بالشكل الكافي ليضيع أول تأريخ شفهي مسيحي ليسوع، حيث لم ينقل الآباء عنه بالمجمل إلا شذرات هنا وهناك مع تصريح أحدهم أنه (محدود الإدراك) !![13]
القيمة الحقيقية لشهادة (بابياس) هي كونه أول من شهد لنسبه كتاب الأناجيل – أو بعضهم- بالاسم، ومنه أخذت الكنيسة عبر عصورها شهادته كحقيقة.
إنجيل القديس (متى) : (( وهكذا كتب متى الأقوال الإلهية باللغة العبرانية، وفسرها[15] كل واحد على قدر استطاعته ))
إنجيل القديس (مرقس) : (( هذا ما يقوله القس أيضاً: أن مرقس إذ كان هو اللسان الناطق لبطرس كتب بدقة، ولو من غير ترتيب، كل ما تذكره عما قاله المسيح أو فعله، لأنه لا سمع للرب ولا اتبعه، ولكنه فيما بعد – كما قلت – اتبع بطرس الذى جعل تعاليمه مطابقة لاحتياجات سامعيه، دون أن يقصد بأن يجعل أحاديث الرب مرتبطة ببعضها. ولذلك لم يرتكب أي خطأ إذ كتب – على هذا الوجه – ما تذكره. لأنه كان يحرص على أمر واحد : أن لا يحذف شيئاً مما سمعه، وأن لا يقرر أي شيء خطأ ))
بأخذ هذا التقليد كقاعدة لمعرفة الكنيسة عن الإنجيل وبموازاتة مع التقاليد الأخري اللاحقة عليه عند الكنيسة الأولي يمكننا ان نستنتج مايلي:
تقليد الآباء عن الكنيسة الأولى
|
الكنيسة المتأخرة وأقوال علماء المسيحية
| |
إنجيل القديس (متي)
|
· إنجيل (متي) كتب ونشر باللغة العبرانية من أجل اليهود المتنصرين.[16]· يشهد المؤرخ (يوسابيوس)[17]والقديس (جيروم)[18] أن الكنيسة حتى القرن الرابع لم تكن تعرف أي نسخة يونانية (رسمية) منسوبة لـ (متى) بل كان المعروف أن المترجم مجهول.[19]· وفقاً لشهادة العلامة (أوريجانوس) فإن تقليد الكنيسة الأولى كان ينص على أن إنجيل (متى) هو أول إنجيل كتب.[20]
|
· القديس (متى) كتب إنجيله باللغة اليونانية.[21]· وحتي بفرض صحة أن الأصل كان (عبرانياً) فإن من قام بترجمته هو القديس (متى) نفسه.[22]
· الأغلبية الساحقة من العلماء وحتى الدارسين بالكنيسة القبطية يقولون بأن أول الأناجيل هو مرقس بل أن متى اعتمد عليه.[23]
|
إنجيل القديس (مرقس)
|
من الجدول السابق إذاً يمكننا أن نرى أوجهاً لبعض الاختلافات الجزئية والكلية في تطور التقليد داخل الكنيسة عبر الزمان، فالكنيسة اليوم لا تعرف أي إنجيل عبراني للقديس (متى)، فهذا الإنجيل قد ضاع بشكل كامل على الرغم من شهادة الآباء – بنتينوس – من وجود تلك النسخة العبرية في الهند بنهايات القرن الثاني وأن من تركها هم الرسل أنفسهم !![32] ولا يختلف الأمر تعقيداً حتى في الإنجيل اليوناني فعلى الرغم من أن الشاهد الكنسي القديم غائب تماماً عن مصدرية الإنجيل اليوناني[33]مقارنة بقوة مصدرية التقليد عن أصولية الإنجيل العبري[34]، إلا أن علماء اليوم يقرون بأصوليته متجاهلين – أو في الحقيقة جاهلين- علاقة الإنجيل العبري بالإنجيل اليوناني ومقرين بعجزهم عن فك طلاسم تلك العلاقة.[35] لا تتوقف التعقيدات على تلك الاختلافات القديمة والحديثة وإنما كذلك في الاختلافات الداخلية بين التقاليد نفسها سواء القديمة أو الحديثة. فإنجيل (مرقس) وإن كانت إشارات الآباء تشير إلى كتابته بروما أو أي مكان آخر بإيطاليا فإنه هناك إشارات أخرى من الآباء أيضاً تشير إلى أن التقليد يقول بأن الإنجيل كتب بالطلب في مصر!![36] ليست الكنائس الجغرافية فحسب من تعيش في هذا التخبط وإنما قد نفاجأ بأن الكنيسة الواحدة نفسها تختلف في فاصل زمني لا يزيد عن بضعة سنوات فقط. فإذا كان العلامة (أوريجانوس)[37] قد صدر شهادته عن ترتيب تدوين الأناجيل كما نجدها الآن (متى – مرقس – لوقا – يوحنا) بقوله: ((عرفت من التقليد ))، فإن معلمة القديس (أكليمندس السكندري) في كتابه “وصف المناظر” قد قدم أيضاً تقليد التدوين عن الآباء الأولين بصورة مناقضة تماماً (متى – لوقا – مرقس – يوحنا).[38]
ولأنه تاريخياً لا مدخل لدينا لمعرفة العهد الجديد إلا من خلال هذه التقاليد فعلى القارئ ألا يُصدم إذا علم أن علماء الكنيسة المتأخرة قد ضربوا بكلا التقليدين عرض الحائط موضحين أن الأقدمية هي لإنجيل (مرقس)[39]وليس (متى) أو حتي (لوقا) حتى وإن كان: (( الرأي الغالب عند آباء الكنيسة هو أن إنجيل مرقس آخر ما كُتب من الأناجيل الثلاثة المتشابهة، )).[40]
تلك التناقضات المتضخمة للتقليد الشفهي[41] المُسلم بزعم الكنيسة من كتبة الأناجيل أنفسهم تجعلنا نتساءل عن الحقيقة التاريخية لعملية انتقال التقليد برمتها، فبوضع كل تلك التناقضات كخطوط عريضة لفهم انتقال التقليد الشفهي بالكنيسة في القرن الأول فإن حقيقة وجود: (( طائفية ومجهولية وتغييرات بهذا الوسيط جعلت من المستحيل تتبع تاريخ التقليد خلال هذا الانتقال ))[42]، وإذا وضعنا في أذهاننا قضية أن: (( التقاليد لم تُخترع من العدم، ولا بد أنها تتضمن بعضاً من الحقيقة الجوهرية. ))[43]، فإن هذا يقودنا بالضرورة إلى حقيقة أخرى تنص على أن التقليد الشفهي قد تم العبث به قبل أن يدخل الكنيسة في انتقاله من العامة أو حتى بعد دخوله الكنيسة في انتقاله إلى مرحلة التقليد المكتوب، بصورة أدق يمكننا إذاً أن نستعير هنا كلمات العالم: “واليام والكر” القائلة: (( تقليد الإنجيل المكتوب هو انعكاس لشكل يظهر كنتاج لعملية طويلة ومعقدة من الاختيار والانتقال وإعادة التفسير والتكييف والتحريف وحتى الاختراع[44] داخل الكنيسة .. ))[45]، لنتساءل هل تقاليد الكنيسة تعود للرسل حقاً أم أنها ذات جذور رسولية ولكن تم بلورتها وفقاً لاحتياجات الكنيسة أم أنها في النهاية تقاليد مزورة برمتها؟[46]
التقليد المكتوب
التقليد المكتوب هو تقليد العهد الجديد في صورته المكتوبة التي بين أيدينا اليوم. يخبرنا العلماء بأن قيمة الأناجيل في هذا النوع من التقليد من الناحية التاريخية هي: (( أناجيل العهد الجديد الأربعة هي تقريباً المصدر الوحيد لمعرفتنا بأعمال وتعاليم يسوع الأرضي. ))[47]، أما من الناحية الإيمانية هي: (( هذا يعني أنه ليس على المؤمن البسيط إلا أن يقبل الإنجيل كما تعلمه الكنيسة وحسب تفسيرها، ……… لأن من الكنيسة استلم الإنجيل وبالكنيسة يفهمه. )).[48]
فإذا كنا اليوم نتسلم الكتاب من الكنيسة فكيف تسلمت الكنيسة نفسها الكتاب بالأمس من الرسل ؟
الإجابة تاريخياً لا أحد يعرف ولا يوجد تقليد واحد يخبرنا كيف سلم الإنجيل للكنيسة ولا في أي زمن[49]، بل أن الشواهد التاريخية – كما بينا في التقليد الشفهي – تخبرنا أن الأناجيل لم تسلم إلى الكنيسة وإنما سلمت إلى العامة[50]، خلال فترة وجود النص المكتوب مع العامة وقبل انتقاله إلى سلطة النص المكتوب بالكنيسة الرئيسية وقعت بالنص العديد من التغييرات الهامة سواء أكان ذلك بتأثير مباشر من الكنيسة أو بدافع الاحتياجات المجتمعية.[51]
فعلى سبيل المثال: وفقاً لإنجيل (يوحنا) 21/24 فإن النص يقول: ((هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم أن شهادته حق))، إلا أنه وفقاً لتأصيل ما تحته خط فإن العالم “Andreas J. Kostenberger” يخبرنا بأن: (( الرؤية بأن يوحنا 21:24-25 وضعت من نفس اليد التي وضعت باقي الإنجيل وبالأخص الرسول يوحنا هي قرار الأقلية من علماء يوحنا المعاصرين. ))[52]، دلالات تلك الجملة أيضاً لا تقتصر فقط على الكاتب في ذلك الموضع ولكنها قد تمتد أيضاً إلى باقي أجزاء الإنجيل، فإذا كان يسوع قد أنهى كلامه قائلاً بـ14/31 ((قوموا ننطلق من ههنا)) فكيف تكون افتتاحية الإصحاح 15 هي استمرار لكلامه المنتهي بدون أي ربط بما سبق: ((أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرّام)) على أن يكون العدد الأول من الإصحاح 18 هو أقرب افتتاحية لنهاية الإصحاح 14.[53]
مثال آخر: وفقاً لإنجيل (متى) 27/ 52-53 فإن رواية الصلب تتضمن: ((والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين * وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين )) ، رغم أن هذا الحدث فريد من نوعه ومهم للغاية في تأصيل حادثة صلب يسوع تاريخياً إلا أن الغريب أنه لم يثبت أحد تلك الواقعة سوى (متى)، دلالات الكلمات المحددة تُظهر بعض النقاط الغريبة في تلك القصة: لماذا انتظرت الأجساد حتى قيامة يسوع نفسه وما هو تأثير (القبور تفتحت) و (ظهروا لكثيرين) على اليهود وأتباع يسوع نفسه والذي لم يظهر له أي أثر في الأعداد اللاحقة ؟![54]
هنا فإن التقليد المُسلم من الكاتب الأًصلي أعيدت صياغته مرة تلو أخرى ليتواءم مع متطلبات محددة في التاريخ المسيحي من قبل المسيحيين الأوائل، فكما يقول العالم البريطاني “ديفيد باركر”: (( التقاليد سردت وأعيد سردها، كتبت وأعيد كتابتها، في التقليد الشفهي وفي النسخ المتتابعة للنصوص ))[55]، وفي موضع آخر يقول: (( النص الحريشير إلى أنه على الأقل بعض المسيحيين الأوائل كان الأكثر أهميةعندهم هو تسليم روح تعاليم يسوع أكثر من الحفاظ على حرفيتها )).[56]
تأثيرات تلك الجماعات المسيحية على النص المنقول من المرحلة الشفهية يتعذر اليوم تحديده فضلا عن إحصاء مداه، فإذا كان (مرقس) قد اعتمد في الأصل ليس فقط على التقليد الشفهي وإنما أيضاً على مواد مكتوبة من قبل تلك الجماعة كما يقر بذلك الخوري (بولس الفغالي) قائلاً: (( لم ينطلق من لا شيء بل استند إلى عمل سابق قامت به الجماعة المسيحية: تذكرت أقوال وأعمال يسوع، دونت أخباراً منعزلة وأقوالاً متفرقة، جمعتها وهكذا حصلنا على نصوص متناسقة. ))[57]، فإن الإنجيلي نفسه في طريقة استخدامه لتلك المواد لم يتقيد هو الآخر بحرفيتها شأنه شأن كل مكتوبات الأناجيل التي: (( لم تنتوِ الحفاظ على الحساب الدقيق للتقليد الشفهي لكنها عوضاً عبرت عن الاستجابة اللاهوتية للوضع الاجتماعي الجديد ))[58]، وبالتالي فإنه يمكننا الآن إجراء بعض التعديلات في صورة الانتقال النصي المستخدمة في المقال السابق[59] لتصبح:
بالتأكيد فإن تكامل تلك العناصر معاً لإعطاء صورة مقربة لدورة الانتقال النصي للتقليد لا يخلو من بعض المعضلات، لعل من أهمها مشكلة التحديد “الزمني” لعملية التحرير النصي للتقليد الشفهي. فعلى سبيل المثال لا توجد أي دلالة تاريخية توضح هوية “ترتيوس” الذي وصف بأنه “كاتب هذه الرسالة”[60]، هل هو كاتب الرسالة كسكرتير لـ(بولس) أم أنه مجرد ناسخ في الحلقة الوسيطة بين التقليد الشفهي والتقليد المكتوب لرسائل (بولس) والتي ينص أكثر من عالم على أنها شهدت: (( حدثت العديد من الأمور الهامة في الخمسين سنة بين كتابة الرسائل وإنتاجها كمجموعة ))[61]، وبما أنه: (( من المحتمل أن يكون عام 100 ميلادي هو عام تجميع ونشر رسائل بولس مجتمعة بفارق عن زمن كتابتها الأصلي يقدر بأربعين أو خمسين عاماً ))، فلا شك إذاً في أنه: ((مثل كل التقاليد للكتابات القديمة فإن “النموذج الأصلي” و”الأصل” لا يتطابقان ))[62]
الخاتمة
نأتي الآن للسؤال الأهم والذي يلخص نقاط البحث ألا وهو: ما هي طبيعة العلاقة بين المكتوب بين أيدينا والتقليد المؤسس لما هو مكتوب ؟
إن أبسط جواب على هذا السؤال هو أنه لا علاقة واضحة بين التقليد المكتوب والذي صار هو الأصل في التعبير عن التقليد بشكل عام بالكنيسة اليوم كما أقر القس (أنجيلو جرجس) القائل: (( لا يمكن أن يوجد شيء في التقليد ضد أي حرف في الإنجيل. فالإنجيل يعاش في التقليد والتقليد يؤكده الإنجيل. ))[63]، وبين التقليد الشفهي للكنيسة الأولى والذي يقول الآباء أن: (( كل التقاليد الموجودة في الكنيسة مستلمة من الرسل أو من المجامع )).[64]
فكما رأيناه في تحليل بعض التقاليد الشفهية الخاصة بالعهد الجديد فإن الآباء لم يستلموا تقاليدهم من الرسل بل إن الحقيقة هي كما قال الأب (متى المسكين) في رده لتقليد (بابياس) عن تلمذة (مرقس) الإنجيلي للتلميذ (بطرس): (( من هذه التحقيقات يتضح لنا أن كل المؤرخين القدامى أخذوا عن بابياس أخذاً أعمى دون تحقيق أو مضاهاة هذه الأقوال على واقع الإنجيل نفسه ))[65]، لكن هذا الرفض ليس بتلك البساطة لأنه: (( في استطاعتنا بالفعل، بعد الغربلة والتقييم، رفض مثل هذه التقاليد، ولكننا إن فعلنا هذا الأمر، فإننا سنتخبط في الظلام أكثر مما لو أننا أخذنا بها، ذلك أنه ليس لدينا غيرها مما يعود إلى مثل هذا الزمن المتناهي القدم كما أن التقليد المتأخر عنها زمنياً يتوافق على الأقل في خطوطه العريضة مع بابياس. ))[66]، وبالتالي فليس هناك من معنى لرفض تقليد الكنيسة بهذا الشأن وغيره سوي أن أصل هذا التقليد لم يكن الرسل أو التلاميذ وإنما هو من (اختراع) أحدهم !![67]
أما التقليد المكتوب فهو لا يقل تعقيداً عن التقليد الشفهي فمع غموض أصل ونشأة هذا التقليد سواء من ناحية الجمع والترتيب والنشر[68]، فإن العلماء اليوم لا يقولون فقط أن التقليد المكتوب الحالي يحمل: (( إشارة واضحة على التغييرات الجذرية والتطورات الجديدة ))[69]، وإنما يحمل أيضاً إشارات إلى أن الأحداث والأقوال التي به ليست بالضرورة تاريخية بل هي قصص: (( صيغت في مراحل مختلفة في تاريخ التقليد لتخدم احتياجات المجتمعات المسيحية )).[70]
فإذا وضعنا أعيننا صوب هذه التعقيدات والتي لا تستقيم مع قول الكنيسة اليوم: (( إننا نسمي “دائرة تأويلية” أن يجد الكتاب المقدس أساسه في الكنيسة وأن تجد الكنيسة أساسها في الكتاب المقدس ))[71]، فضلا عن إقرارها أيضاً بانقطاع علاقة ذلك الكتاب المكتوب بالتقليد الشفهي[72]، فإن أي حديث عن أنه: (( عن طريق التقليد فقط نستطيع أن نعرف أسفار الكتاب المقدس الحقيقية وعددها وأسماء كاتبيها وزمان كتابتها وتفاصيل ما جاء فيها. ))[73] ما هو إلا مجرد خدعة زائفة للعامة لأن الحقيقة أن تناقضات التقليد الشفهي وعلاقته المجهولة مع التقليد المكتوب لا تدع مجالاً لأي شك من أن:
(( نظرية التقليد الشفهي الأصلي الذي انتقل من تعاليم يسوع إلى التلاميذ ومن ثم إلى الكنيسة والعهد الجديد هي واحدة من أكثر الأخطاء خطورة في دراسات الكتاب المقدس. فبقبولها كتاريخ لكلمات وأفعال يسوع فإن العديد من الأقوال والقصص عنه تم اختراعها لاحقاً في الكنيسة المبكرة، تلك النظرية تسببت في كمية هائلة من سوء في تفسير الأناجيل القانونية وسوء فهم مأساوي في حياة يسوع وبدايات الكنيسة ))[74]
مقال منشور في العدد الثاني من مجلة الدراسات الدينية.
الهوامش:
[1] برتراند أرثر ويليام راسل: فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني حاز على جائزة نوبل للأدب عام 1950م قبل أن يتوفى عام 1970م
[6] يمكن إثبات هذا التقسيم من خلال قول كاتب إنجيل يوحنا نفسه: (( وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ. )) يوحنا 21/25 او (( وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. )) يوحنا 20/30 ، الأمر الذي يعني أن المكتوب من تعاليم وأفعال يسوع لا يشمل كل التعاليم والأفعال المتناقلة بشكل شفهي ومعروفة لدى المجتمع المسيحي الأول أو على الأقل كاتب الرواية الإنجيلية.
[8] خلال كتابات القرون الأولى فإن العلماء وجدوا بعض الأقوال المنسوبة ليسوع بكتابات الآباء ولكنهم لم يجدوا لها ما يوازي بالأناجيل القانونية وإن كان لبعضهم وجود بالأناجيل الأبوكريفا، تلك الأقوال تُسمى (Agrapha) وهي أقوال باقية من التقليد غير المكتوب ليسوع تم تناقلها لا شفهياً عبر الكنيسة ولكن كتابياً في كتب الآباء الرسل وقديسي الكنيسة من بعدهم !!، من أشهر هذه الأقوال مقولة (كونوا صيارفة ماهرين) والذي تعددت أوجه اقتباساته حتى تجاوزت الخمسين اقتباساً ما بين نسبتها ليسوع أو بولس وما بين نسبتها للتقليد المكتوب أو التقليد الشفهي. للمزيد يراجع (Hidden Sayings of Jesus, William Morrice, p169-170)
[9] Stephen H. Travis, “Form Criticism”, in “New Testament Interpretation: Essays on Principles and Methods”, p154
[12] (( 3- ولكنني لا أتردد أيضاً عن أن أضع أمامكم مع تفسيري كل ما تعلمته بحرص من المشايخ، وكل ما أتذكره بحرص، ضامناً صحته. لأنني لم ألتذ – كالكثيرين – بمن يتكلمون كثيراً، بل بمن يعلمون الحق. لم ألتذ بمن يقدمون وصايا غريبة، بل بمن يقدمون وصايا الرب للإيمان، الصادر من الحق نفسه. 4- وكلما أتى أحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عما قاله أندراوس أو بطرس، عما قاله فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أي واحد آخر من تلاميذ الرب، أو عما قاله أريستيون أو القس يوحنا أو تلاميذ الرب. لأنني لا أعتقد أن ما أتحصل عليه من الكتب يفيدني بقدر ما يصل إلي من الصوت الحي، من الصوت الحي الدائم )) تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب الثالث ، الفصل 39 ، الفقرة 3-4 ، تعريب القمص مرقس داود، ص144
[13] تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب الثالث ، الفصل 39 ، الفقرة 13 ، تعريب القمص مرقس داود، ص146
[14] تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب الثالث ، الفصل 39 ، الفقرة 13 ، تعريب القمص مرقس داود، ص146
[17] (( مصطلح “السبت مساءً” راجع إلى مترجم الإنجيل، لأن الإنجيلي “متى” نشر إنجيله باللسان العبري، لكن الشخص الذي قدمة باللغة اليونانية غير ذلك. )) Eusebius, Quast. ad Marin. 2, iv
[18] في رسالته إلى سيدة تدعي هيديبيا قام بالرد على سؤالها حول اختلاف نصي إنجيل (متي) 28/1 وإنجيل (يوحنا) 20/1 قائلاً: (( يبدو لى أن نص إنجيل “متى” والذي كتب إنجيله بالعبرانية هو “عندما صار الوقتمتأخراً” وليس “مساءً”، حيث قام المترجم والذي لم يكن على علم بالمعنى الحقيقي لتلك الكلمة بترجمتها “مساءً” بدلا من القول ” عندما صار الوقت متأخراً” )) – الرسالة رقم (120) إلى هيديبيا، إجابة السؤال الرابع، رسائل القديس جيروم
[20] تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب السادس ، الفصل 25 ، الفقرة 4 ، تعريب القمص مرقس داود، ص274
[21] (( إنجيل متى في الحقيقة يعطي الانطباع بأنه غير مترجم بل كتب أصلا في اليونانية، )) دائرة المعارف الكتابية، نخبة من العلماء واللاهوتيين، ج1 ص455
[22] (( وكتب العهد الجديد باللغة اليونانية التي كانت سائدة وقتها – اليونانية القديمة – ما عدا إنجيل متى فهو كتب بالعبرية وترجمه القديس متى لليونانية أيضاً فأصبح العهد الجديد كله يوناني الأصل )) مقدمة عامة عن الكتاب المقدس، القمص بولس عطية بسليوس، ص7
[23] (( يوجد اتفاق عام الآن في أن إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل، وهذا الاتفاق في الوسط العلمي وأيضاً بين الدارسين في الكنيسة القبطية، )) المدخل إلى تفسير العهد الجديد، د. جورج فرج – باحث بالمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ودكتوراه في علوم اللاهوت من جامعة ستراسبرج، ص112
[24] تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب السادس ، الفصل 14 ، الفقرة 5 ، تعريب القمص مرقس داود، ص261
[27] (( والثاني مرقس مترجم بطرس الرسول وأول أسقف على الإسكندرية الذى نفسه لم ير المخلص ولكنه قص الأمور التي سمع معلمه يعظ بها )) التعليقات على إنجيل متى – مقدمة – القديس جيروم
[28] (( ولا ينكر عالم أن لغة إنجيل مرقس وأسلوبه في الكتابة يظهر أنه كتب قبل الإنجيلين الآخرين )) المدخل إلى العهد الجديد، الدكتور القس مرقس عزيز، ص243
[31] (( جميع مؤرخي الأقباط في كافة عصورهم أجمعوا على أن مار مرقس كان من السبعين رسولاً الذين ذكرهم لوقا الإنجيلي (10: 1-12) )) ناظر الإله الإنجيلي: مرقس الرسول، الأنبا شنودة الثالث، ص15
[32] تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب الخامس ، الفصل 10 ، الفقرة 3 ، تعريب القمص مرقس داود، ص218
[34] (( شهادة الآباء مقبولة لأنها تعكس التقليد الرسمي للقرن الثاني )) Schodde, “The Gospel of Matthew”, Inter, Stand. Bible Ency., p2010
[36] (( أيضاً “متى” يقال بأنه عندما أتى إليه من اليهود من كان يؤمن طلبوا منه أن يترك لهم مكتوباً بتلك الأمور، وبينما كان يتحدث إليهم بالكلام فإنه أيضاً جمع إنجيله فى اللغة العبرانية. “مرقس” أيضاً بـ”مصر” يقال أنه قام بنفس الشيء بناءً على التماس من التلاميذ )) عظات إنجيل متى، يوحنا ذهبي الفم، العظة الأولى – فقرة 7
[37] والذي قال عنه الأب “متى المسكين” أنه: (( لا يستهان بعلمه وتقاريره فكلها يأخذها جميع العلماء أخذ ثقة واحترام )) – تفسير إنجيل متى
[38] (( وفي نفس الكتب أيضاً يقدم اكليمنضس تقليد الآباء الأولين عن ترتيب الأناجيل على هذا الوجه التالي: فيقول أن الإنجيلين المتضمنين نسب المسيح كتبا أولا. )) تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب السادس ، الفصل 14 ، الفقرة 5 ، تعريب القمص مرقس داود، ص261
[39] R. T. Simpson, “The Major Agreements of The Matthew and Luke against Mark”, In The Two-Source Hypothesis ,p382
[40] المدخل إلى تفسير العهد الجديد، د. جورج فرج – باحث بالمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ودكتوراه في علوم اللاهوت من جامعة ستراسبرج، ص113
[41] (( نجد أن التقليد المنسوب للقديس بطرس بدأ ينمو ويُزاد عليه. والكلام يناقض بعضه، فالقول إن القديس مرقس كتب إنجيله فى حياة بطرس يناقض ما جاء فى إيرينيئوس والمقدمة ضد ماركيون )) تفسير إنجيل مرقس – الاب متى المسكين، ص49
[45] William O. Walker, “The Quest For The Historical Jesus”, in “The Historical Jesus – Critical Concepts”, v1 p401 – المائل مضاف للسياق
[46] إجابة هذا السؤال قد نجدها في مقولة: (( عزو أي من الأناجيل إلى مؤلفين من دائرة الاثني عشر ليس له سند تاريخي ))Markus Bockmuehl – Donald A. Hagner, The Written Gospel, p73
[47] E. Earle Ellis, “The Synoptic Gospels and History”, In “Authenticating The Actvities of Jesus”, p49
[49] لعل أبسط الدلائل على هذا هو أن الكنيسة حتى تلك اللحظة لا تتفق على عام موحد لتاريخية كتابة أي من الأناجيل الأربعة.
[50] (( لما كرز بطرس بالكلمة جهاراً في روما … طلب كثيرون من الحاضرين إلى مرقس أن يدون أقواله، … وبعد أن كتب الإنجيل سلمه لمن طلبوه. )) – تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، الكتاب السادس ، الفصل 14 ، الفقرة 6 ، تعريب القمص مرقس داود، ص262
[51] D. G. A. Calvert, “An Examination of The Criteria..”, in “The Historical Jesus – Critical Concepts”, v1 p427
[52] Andreas J. Kostenberger, “The Conclusion of John’s Gospel”, in ” The New Testament in Its First Century Setting”, p74-75
[68] (( نحن لا نمتلك أى دليل قديم يشهد لكيفية جمع الأناجيل ونشرها )) P. Perkins, Introduction to the Synoptic Gospels, p40
[69] Ernst Kasemann, “The Problem of The Historical Jesus”, in “The Historical Jesus – Critical Concepts”, v1 p137
[72] (( السيد المسيح كان يتحدث الآرامية وليس اليونانية التي كُتبت بها الأناجيل مما يجعلنا نستبعد فكرة التقليد الشفوي في تفسير التشابه اللغوي في الأناجيل المتشابهة. )) المدخل إلى تفسير العهد الجديد، د. جورج فرج، ص107
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق