مدونة غرفة MCDialogue

لمقارنة الأديان و الرد على الشبهات على برنامج البالتوك مناظرات حوارات محاضرات

2016-09-19

تاريخ إبادة المسلمين, النصارى الموحدين و اليهود بإسبانيا.


تاريخ إبادة المسلمين, النصارى الموحدين و اليهود بإسبانيا.
الفصل الأول: الناصريون و النصارى. قصة عداوة.
بقلم هشام زليم المغربي.
بعثة المسيح عليه السلام و صعوبات البداية.
شرع المسيح عليه السلام في الدعوة و سنه 30 سنة, دعوة لم تدم سوى 3 سنوات. ترك بعده 12 حواريا, 60 تلميذا و العديد من الأتباع بالمجال الريفي ليهودا (إسرائيل و فلسطين اليوم).
شكل هؤلاء القرويون –و يسمون أم هآرزAm Ha Arez- غالبية السكان, اجتذبتهم حكمة و معجزات المسيح فتجمعوا حوله و اتبعوه. لقد أدركوا النور الذي هلّ لينير تعاليم موسى عليه السلام, فما بُعِث المسيح إلا ليوضّحها و يحييها. 
اقتصرت مهمة المسيح على إثبات عبادة الخالق وفق الطريقة التي أُمِر بها. لقد تهيئ المسيح و أتباعه لمكافحة كل من يحاول منعهم من العيش وفق الطريقة التي أراد ربهم(1)
الآسينيون
استغل العديد من كهان المعبد موقعهم كوسيلة للحصول على الثروة و السمعة, لكن عدم شعبيتهم بين الناس أقلقتهم لتهديدها امتيازاتهم. أما الرومان, حُكّام يهودا, فقد اعتبروا بزوغ نجم هذا ”الزعيم الجديد” خطرا عليهم, فقد يدفع لثورة أخرى لليهود , و يكفيهم ما سببه لهم الآسينيون -سكان الكهوف بضواحي البحر الميت- من مشاكل. هذه الطائفة من اليهود رفضت قبول العادات و القوانين الرومانية لمّا تعارضت مع تعاليم موسى عليه السلام؛ لقد عقدوا العزم على الحفاظ على صفاء طريقة عيشهم و تحرير يهودا من الاعتداء الأجنبي. إلى جانب صلواتهم اليومية و دراساتهم للكتابات ”المقدسة”, زاول العديد منهم فنون الحرب. و أُطلق على أعضاء هذه ”القوات المقاتلة”Zelotes(المدافعون). من المحتمل أن المسيح عليه السلام قضى فترة مهمة من طفولته بين الآسينيين, ليس فقط في البحر الميت, لكن أيضا بمعقلهم الآخر بالقرب من الإسكندرية. لقد اتبعه فيما بعد العديد من أبناء هذه الطائفة.
رفع المسيح و صلب شبيهه
هكذا إذن التقت مصلحة الحكام الرومان و الطغمة الفاسدة من كُهّان المعبد في معاداة المسيح عليه السلام و أتباعه. و في هذه الظروف وقعت المؤامرة ضده فصُلِب رجل آخر مكانه, ربّما هو يهوذا الأسخريوطي:
" و لما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع , سمع يسوع دنو جم غفير , فلذلك انسحب إلى البيت خائفا , و كان الأحد عشر نياما , فلما رأى الله الخطر على عبده أمر جبريل و ميخائيل و رفائيل و أوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم , فجاء الملائكة الأطهار و أخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب , فحملوه و وضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله إلى الأبد , و دخل يهوذا بعنف إلى الغرفة التي أصعد منها يسوع , و كان التلاميذ كلهم نياما , فأتى الله العجيب بأمر عجيب , فتغير يهوذا في النطق و في الوجه فصار شبيها بيسوع , حتى أننا اعتقدنا أنه يسوع , أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم , لذلك تعجبنا و أجبنا : أنت سيدنا هو معلمنا أنسيتنا الآن ؟ , أما هو فقال مبتسما : هل انتم أغبياء حتى لا تعرفون يهوذا الإسخريوطي , و بينما كان يقول هذا دخلت الجنود و ألقوا أيديهم على يهوذا لأنه كان شبيها بيسوع من كل وجه " إنجيل برنابا ص 308 "
" و أُسْلِمَ يهوذا للكتبة و الفريسيين كأنه مجرم يستحق الموت , و حكموا عليه بالصلب و على لصين معه , فقادوه إلى جبل الجمجمة حيث اعتادوا شنق المجرمين , و هناك صلبوه عريانا مبالغة في تحقيره" إنجيل برنابا ص 314 "
حتى يذوق العذاب لوشايته برجل آخر (2)
شكّل الاعتقاد الخاطئ بأن المصلوب هو المسيح – و هي الفكرة التي دافع عنها بحماس شديد شاؤول الطرسوسي- أول أسباب الانشقاق داخل الكنيسة في أولى أيامها:
أولئك التلاميذ الذين لا يخشون الرب سرقوا في الليل جسد يهوذا و أخفوه, ثم أشاعوا أن يسوع انبعث, فنجم عن ذلك بلبلة عظيمة. كبير الكهان منع الكلام حول يسوع الناصري مهددا بعقوبة اللعنة. هكذا انطلقت حملة عظيمة من الاضطهاد؛ البعض رُجموا, الآخرون جُلدوا و غادر الكثيرون البلاد لعدم استطاعتهم العيش في سلام في هذه الوضعية (3).
شاؤول اليهودي 
لم يكن اضطهاد أتباع المسيح عليه السلام احتكارا رومانيا فقد ساعدهم في ذلك اليهود الذين رفضوا الإيمان به, و شكل هذا سببا آخر للانقسام الذي عرفته الكنيسة في أيامها الأولى. أحد كبار المُضطهِدين, هو ”حبر الأحبار” شاؤول الطرسوسي, الذي سيشتهر فيما بعد باسم بولس. لقد لعب بولس دورا حاسما و فعالا في الاضطهاد, كما شهد على نفسه بذلك:
سمعتم بسيرتي الماضية في ديانة اليهود و كيف كنت أضطهد كنيسة الله بلا رحمة و أحاول تدميرها, و أفوق أكثر أبناء جيلي من بني قومي في ديانة اليهود و في الغيرة الشديدة على تقاليد آبائي.” (رسالة بولس إلى غلاطية 1-13/14)
اضطهاد النصارى و الرومان زاد البعض صلابة, لكنه أوهن عزيمة البعض الآخر. فالأتباع الأكثر ضعفا تبنوا عقائدهم و أفعالهم ليتجنبوا بطشهم, فأدى ذلك إلى ظهور تناقضات و خصومات في صفوف أتباع المسيح عليه السلام.
شاؤول اليهودي يدعي اعتناق النصرانية و يتسمى ببولس
هنا تدخّل بولس, مرّة أخرى, و لعب دورا مهما في التوصل إلى تسوية لطخت صفاء نمط الحياة الذي دعا إليه المسيح. لقد أعلن بولس بشكل مفاجئ أنه رأى المسيح في رؤية فقرر أن يُصبح من أتباعه. رغم ذلك, انتظر 3 سنوات في جزيرة العرب و في دمشق قبل العودة إلى أورشليم (القدس) و يخبر الحواريين – الذين كانوا يُعرفون في تلك الفترة ب”الناصريين”- بمعجزته. كان الحواريون أقرب الناس إلى المسيح قبل أن يُرفع فلم يقتنعوا بصحة تحوّل بولس. شكوكهم ازدادت عندما شرع بولس –الذي لم يسبق له أن التقى بالمسيح أو جالسه- بممارسة عقيدة مخالفة بل و مناقضة لما سمعوه بآذانهم من المسيح نفسه. لكن بولس شرح هذا التناقض فيما بعد قائلا:
فاعلموا, أيها الإخوة, أن البشارة التي بشّرتكم بها غير صادرة عن البشر. فأنا ما تلقيتها و لا أخدنها عن إنسان, بل عن وحي من يسوع المسيح”. (رسالة بولس إلى غلاطية 1-11/12)
الحواري يعقوب –سانتياغو- و موقف الحواريين من بولس
لم يستطع الناصريون تصديق أن المسيح لما كان على الأرض علّم حواريه ألاثني عشر ليدافعوا عن تعاليمه, ثم سحب هذا الاعتماد و بدّل تعاليمه الأصلية دون أن يُخبرهم, بل ما زاد الطين بلة و الطنبور غنة هو تكليفه لرجل لا يعرفونه. لم يٌقِم القديس يعقوب Santiago زعيم الناصريين بالقدس وزنا لأدلة بولس. ليس معروفا رابطة القرابة بين القديس يعقوب و المسيح عليه السلام, المعلوم أنه كان مقرّبا جدا منه, و حسب العهد الجديد, كان أحد أكثر الحواريين نشاطا و ممن يتكلمون دون مواربة أو خوف. لهذا سماه المسيح هو و يوحنا ”أبناء الرعد Boanerges.
حسب أوزيبيوEusebio , ظل يعقوب يتضرّع لأجل قومه فترة طويلة حتى تورّمت ركبتاه و صارتا كركبتي الجمل. عٌرف لإخلاصه و استقامته باسم القديس يعقوب البار, و هو أوّل أسقف للقدس, و إن كان هذا اللقب لم يٌستعمل بعد في تلك الفترة. كان إحدى الشخصيات الأكثر احتراما في القدس, و طُلِب منه في مرات عديدة إيقاف لسان بولس عند حده و إخراس عقيدته الجديدة حول المسيح. كان باختصار الواجهة الرئيسية للحواريين في صراعهم مع بولس. (4)
توسط برنابي لدى الحواريين لقبول بولس
من الممكن أن الناصريين كانوا لايزالون يتذكرون الاضطهاد الذي عانوا منه على يد بولس فنبذوه. لكن بفضل تأثير برنانبي تمّ قبوله أخيرا داخل الطائفة. ربّما اعتقد برنابي أن بولس سينتهي به المطاف بقبوله مذهبهم في العيش إذا رافق أولئك الذين تلقوا مباشرة من المسيح. لكن بولس الذي عَرف أن قبوله داخل المجموعة كان بسبب دعم برنابي و ليس عن جدارة و استحقاق, غادر الجماعة و عاد إلى بلدته طرسوس متذمرا.
خروج الحواريين من القدس.
رحل العديد من الأتباع المقربين للمسيح إلى أنطاكية فارّين من الاضطهاد اليهودي و الروماني. و قد انضمّ إليهم برنابي و أصبح زعيم هذه الطائفة المتنامية من الناصريين خارج القدس, فعضوا بالنواجذ على نمط عيش المسيح و بدؤوا يقبلون بينهم أناسا لم يكونوا يهودا. في هذه الفترة شرع استعمال كلمة ”نصراني”’’cristiano’’, و كانت تستعمل كمسبة و احتقار أكثر منها وصفا.
بعد فترة قرر برنابي إيصال رسالة المسيح إلى مناطق أبعد. و بما أنه كان في طرسوس فقد اصطحب معه بولس إلى أنطاكية. مرّة أخرى وجد بولس نفسه وجها لوجه مع أولئك الذين اضطهدهم بالأمس. استقبلوه في أنطاكية بنفس البرودة التي لقوه بها في القدس. ودار بينهم جدال مرير ليس فقط حول تعاليم المسيح, بل حتى حول الأشخاص الذين ستُنشر بينهم الدعوة. لكن مرّة أخرى, بفضل برنابي تمّ قبول بولس في المجموعة. في النهاية, سار برنابي و بولس صحبة مرقس ابن أخت برنابي إلى اليونان في أول رحلة تبشيرية لهم. 
بولس يحرف دين المسيح استجابة لنزوات اليونان و خلافه مع برنابي. 
كان قبول دعوة المسيح مسألة سهلة ليهودي منفتح القلب, فتعاليم المسيح ليست سوى دليل ينير نمط عيش اعتاد عليه. أمّا غير العبراني, الذي رأى التقليد اليهودي تقليدا غريبا و حقيرا, فقد استصعب تعاليم المسيح. فاليونانيون, عُبّاد الحشود الهائلة من الآلهة, لم يعيروا اهتماما لرفع عدد آلهتهم, لكنهم غالبا ما تصدوا بحزم لعقيدة توحيد الله و نفي العبادة لغيره. هنا ظهر بولس كالرجل المناسب لتهيئ تعاليم المسيح لتُصبح موافقة لأهواء هؤلاء. لم يتقبل برنابي ذلك. فأدى توتر العلاقات بينهما إلى انفصالهما عن بعضهما. فاصطحب برنابي مرقس و سارا معا إلى قبرص.
بولس ينشر النصرانية المحرفة غربا
أمّا بولس فقد اتخذ سبيله في اتجاه الغرب رفقة بطرس. و في غياب استقامة برنابي و نصائح أتباع المسيح لردعه, لم يجد بولس معارضة للعقائد الجديدة و للسلوكيات و التعاملات التي تبناها. بل و ازداد مروق بولس عن تعاليم المسيح, واضعا انحرافه هذا على لسان المسيح الذي –كما زعم- كان يتجلى له في الرؤى. لقد اعتمدت تعاليمه كلها على الجانب الغيبي الخيالي, و ليس على شهادات تاريخية خلفها المسيح. حجته ضد أولئك الذين اتهموه بتحريف رسالة المسيح اعتمدت على ادعائه أن دعوته مستمدّة من وحي مباشر من المسيح, و أن سلطته إذن سلطة ربانية. هكذا إذن, و حسب هذه ”السلطة” التي ادّعاها, بَرَكَات رسالة المسيح لا تقتصر على اليهود بل هي مهداة لكل من آمن بها. بعد ذلك, ادّعى أن تعاليم الشريعة الموسوية (نسبة لموسى عليه السلام) ليس فقط غير ضرورية, و إنما معارضة لما أوحى به الرب. لقد كانت تلك التعاليم ”لعنة” بل و المسيح نفسه ”لعنة” و العياذ بالله:
و المسيح حرّرنا من لعنة الشريعة بأن صار لعنة من أجلنا, فالكتاب يقول: (ملعون كل من مات مُعلّقا على خشبة)…”(رسالة بولس إلى غلاطية 3-13).
هكذا أثار بولس غضب أتباع المسيح و اليهود على حد سواء فقد وجدوا أنفسهم أمام رجل يلعن دينهم ودين آبائهم الأولين. لكن المسألة كانت بسيطة, فبولس كان يُدافع عن أفكاره في وسط يبغض اليهود و لم يسبق له أن سمِع تعاليم المسيح من قبل. و قد برر أفعاله مؤكدا أن الغاية تبرر الوسيلة. كما لم تكن له فكرة واضحة عن تصوراته:
و إن كان لا بد لي من الافتخار – مع أنه لا نفع منه – فأنتقل إلى الكلام على رُؤى الرب و ما كشفه لي. أعرف رجلا مؤمنا بالمسيح خُطِف قبل 14 سنة إلى السماء الثالثة. أبجسده؟ لا أعلم. أم بغير جسده؟ لا أعلم. الله يعلم. و إنما اعلم أن هذا الرجل خُطِف إلى الفردوس: أبجسده أم بغير جسده؟ لا أعلم. الله يعلم. أعلم أنه خُطف إلى الفردوس و هٌناك سمِع كلاما لا يقدر بشر أن ينطق به و لا يجوز له أن يذكره…” (رسالة كورنثوس الثانية 12-1/5)
هكذا نرى أن بولس لا يعلم إن كان الرجل الذي لقيه في ”جسده” أو ”خارج جسده”. رجل ينطق ”بكلام لا يقدر بشر أن ينطق به”. لقد طلب بولس من أتباعه أن يقلدوه بطريقة عمياء و كان يغضب من أولئك الذين يتّبعون الحواريين أتباع المسيح. لقد اتهمهم بتحريف إنجيله:
عجيب أمرك ! أبمثل هذه السرعة تتركون الذي دعاكم بنعمة المسيح و تتبعون بشارة أخرى؟ و ما هناك ”بشارة أخرى” بل جماعة تُثير البلبلة بينكم و تُحاول تغيير بشارة المسيح. فلو بشرناكم نحن أو بشّركم ملاك من السماء ببشارة غير التي بشرناكم بها, فليكن ملعونا. قُلنا لكم قبلا و أقول الآن: إذا بشّركم أحد ببشارة غير التي قبلتموها منّا, فاللعنة عليه.”(رسالة بولس إلى غلاطية 1-6/9).
هذه الآيات تدل بما لا يدع مجالا للشك وجود ”إنجيل آخر” أو ”بشارة أخرى”. ليس هناك ما يدل على أن الإنجيل –الوحي الذي نزل على عيسى من الله عز وجل – قد جُمِع و كٌتِب تماما على الشكل الذي أوحي إليه. من المحتمل أن بولس كان يقصد تلك الروايات و الشهادات التي وصفت حياة المسيح, كإنجيل برنابي الذي أُتلف ثلاثة قرون بعد ذلك, على إثر مجمع نيقية. قد يكون بولس صادقا و متحمسا في أفعاله, لكن حميته الضالة كانت وبالا على النصرانية و أكثر تدميرا على الناصريين من اضطهاده لهم أيام كان ”حبر الأحبار اليهود”. لقد كان لتعاليم بولس بعد وفاته أثر لم يكن يتوقعه هو نفسه. فكتابه الذي سمّاه ”إنجيل المسيح” أدى إلى تحريف كبير لتعاليم عيسى عليه السلام و هيّأ بذلك الطريق لتغيير فكرة الناس عن ”من هو المسيح”. لقد تحوّل في أذهان الناس من رجل إلى ”مفهوم”. فصورة المسيح عند بولس ليست صورة رجل عادي, يحي ثم يموت, بل هي صورة اختلطت فيها صفات الله عز وجل بالمسيح, خاصة - كما رأينا أعلاه – و أنه كان بإمكانه نسخ ما جاء به المسيح. هكذا تحولت هذه الصورة الخيالية للمسيح إلى محط عبادة و أصبح من الصعب التمييز بين الرب و يسوع. هذا الاعتقاد الفاسد وضع مريم الصديقة في وضعية مستحيلة: فمريم عليها السلام هي أم الرب. 
اعتناق فلاسفة اليونان للنصرانية المحرفة لموافقتها أهواءهم.
هذا التحول الخطير من يسوع النبي إلى يسوع ذي الخصوصيات الإلهية, جعل فلاسفة اليونان و روما يفكرون في إمكانية الجمع بين فلسفتهم الخاصة و دعوة بولس و أتباعه. كانوا يعتقدون أن الوجود هو ثلاثي التكوين, و قد جمعوا إلى حد الآن ”الرب الأب”و ”ابن الرب” و لم يعد يعوزهم غير ”الروح القدس” للحصول على تثليث يوافق ما هم عليه. لم يكن القديس أوغستين راضيا بالمرّة و أنكر على الفلاسفة الحرية الزائدة:
الفلاسفة ينطقون كلماتهم بكل حرية…رغم ذلك نحن لا نقول إن كان هناك اثنان أو ثلاث مبادئ, اثنان أو ثلاثة آلهة”(De Civitate Dei 0/23) (5)
تأثير الفكر الأفلاطوني على النصرانية
اعتمدت فلسفة أفلاطون على تركيب ثلاثي الأبعاد: العلة الأولى, العقل أو اللوغوس logosو النفس أو روح الكون. كتب العلامة البريطاني جيبون (1737-1794)عن أفلاطونأنخيال هذا الأخير الشعري جسّد و أنعش هذه التجريديات المتافيزقية, فكل مبدأ من المبادئ الأصلية الثلاثة اتحد مع الأخرى بصورة غامضة لا يمكن وصفها. لقد وُضع اللوغوس –العقل- تحت المفهوم الواسع لابن الأب الأبدي, الخالق و مدبر الكون. (6)
مع مرور الوقت, اختلطت الأفكار الغامضة و الاعتباطية عن المسيح مع لوغوسات- )جمعlogos) – أفلاطون فاستحالا إلى صورة واحدة. هكذا وُلدت عقيدة التثليث التي ستُعتبر فيما بعد ”النصرانية الأرثودوكسية المُحافظة”.
الوثنيون يدخلون في الدين المحرف أفواجا.
لقد تقبّل الوثنيون المطّلعون على الفلسفة "البشارة الجديدة” قبولا حسنا اعتقادا منهم أن الحواريين و اليهود و الوثنيين الأفلاطونيين يؤمنون بعقائد هذه ”البشارة” كما يؤمنون بها هم. و يبدو أن هذا ما جذب العديد من الفلاسفة للدين النصراني و جعل النصارى الأوائل يكنون تقديرا خاصا لأفلاطون. (7).
أدى تبني كل فرد رأيا خاصا عمّا تعنيه عبارات أفلاطون إلى حدوث زلزال عظيم بين النصارى. كتب خيبون عن نصارى القرنين الثاني و الثالث ما يلي:
الاسم المَهيب لإفلاطون استُعمل من طرف الأرثودوكس و الزنادقة كقاعدة مشتركة للدفاع عن الحق و عن الضلال.” (8)
سلسلة لا متناهية من التحريفات
لم يدع بولس قط إلى تأليه المسيح و لا إلى عقيدة التثليث. لكن طريقة تعبيره و التحولات التي جلبتها أفكار أفلاطون فتحت الباب على مصراعيه لهاتين البدعتين و عبّدت لهما الطريق ليُصبحا من أساسيات المذهب الرسمي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية. إن ما فعله بولس مع تعاليم المسيح فعله آخرون مع تعاليمه هو نفسه. هذه السلسلة من التحريفات توِّجت بظهور عقائد أتاناسيو التثليثية التي اعتُمِدت كعقائد مقدّسة للنصرانية الرسمية الأرثودكسية خلال مجمع نيقية سنة 325م. مذهب أتاناسيو, الذي تشكّل تقريبا 100 سنة بعد مجمع نيقية, نُسب إلى الكاثوليكيين الرومان بكنيسة شمال إفريقيا:
كان كيسنال Quesnel أول من أظهر هذا الرأي و قد تمّ تلقيه بقبول حسن. لكن على كل حال الحقائق الثلاثة التالية, و إن كانت مثيرة للاستغراب, اعتُرِف بها عالميا: الحقيقة الأولى أن القديس أتانسيو ليس هو صاحب المذهب الذي يُرتّل باستمرار في الكنائس إلى اليوم. الحقيقة الثانية, لم يُعلم وجوده إلا بعد 100 سنة على موته, و الحقيقة الثالثة أنه أٌُلِّف في الأصل باللغة اللاتينية و بالتالي في الأقاليم الغربية"(9)
خينانديو Gennandio بطريرك القسطنطينية فاجأه هذا التركيب العجيب مما دفعه للقول بأن صاحب هذا العمل لا يمكن أن يكون إلا أبلها.
عدم وجود أي نص في الإنجيل يقر التثليث أو يوحي به
من المهم ذكر أن أيا من كتب العهد الجديد لم تذكر عقيدة التثليث. حتى الجملة الواردة في إنجيل يوحنا (VI ; 7( و التي تِؤكد وحدة الثلاثة, قد تبيّن منذ فترة أنها غير صحيحة وأنها من بدع الكاثوليك الرومان بشمال إفريقيا. هذا التحريف أخرجه للعلن السير إسحاق نيوتن, الذي عثر على مخطوطات قديمة لم يتم تحريفها:
" من بين كل المخطوطات الموجودة اليوم, و التي يزيد عددها عن الثمانين, والتي يعود بعضها لأكثر من 1200 سنة بين نسخ أرتودكسية تابعة للفاتيكان و مطبوعات روبرتو إستبان, جميعها اختفت عن الأنظار, أما مخطوطي دوبلن و برلين فلا يتوفران على قيمة كافية ليشكلا الاستثناء… في القرنين 11 و 12 تمّ تصحيح الأناجيل بواسطة لانفرانكLanfranc, أسقف كانتربري Canterbury و الكاردينال نيكولاس المسئول عن المكتبة في الكنيسة الرومانية « Secundum ortodoxan fidem ». و رغم هذه التصحيحات لازالت هناك فراغات في 25 مخطوطة لاتينية, هي الأقدم و الأصلية, و هما ميزتان نادرا ما يجتمعان. لقد ورد نص الشهود الثلاثة (10) في وصايانا اليونانية بسبب حذر إيراسمو, عدم التسامح الواضح للناشرين الكمبولتنسيين التابعين لقلعة هنارث قرب مدريد-, الغش المطبعي أو خطأ روبرتو إستبان بإدخال بدعة و التحريف المتعمد أو التفسير الباطل لتيودور بيثا. (11)
تبني عقيدة التجسد 
أما الامتداد الطبيعي و النتيجة الحتمية لعقيدة التثليث فكانت هي عقيدة التجسد التي شكلت باكورة النزاع في مجامع إفسس (تركيا 431 م) و كلدونيا (451م) أي بعد أن أقر مجمع نيقية (325م) أن ”المسيح هو الرب”: 
"لقد ارتجف الكاثوليكيون لما وجدوا أنفسهم على شفا جرف هار لا مجال فيه للتراجع, حيث الثبات فيه خطِر و السقوط منه فظيع. لقد ترددوا في إعلان أن الرب نفسه, الذي هو الفرد الثاني في تثليث منصف و ذو جوهر واحد, قد تجسد في لحم و دم, أن كائناً ملأ الكون قد حوصر في رحم مريم, أن دوامه الأزلي قد عُدّ بالأيام, الشهور و السنوات البشرية, أن الذي على كل شيء قدير قد ضُرب بالسوط و صُلب, أن جوهره الثابت قد شعر بالألم و المعاناة, أن علمه شَابَهُ الجهل و أن مصدر الحياة و الخلود قد هلك في جبل الجلجثة. هذه الاستنتاجات المريعة أثبتها بصراحة جريئة أبولينو أحد وجهاء الكنيسة وأسقف لاوديسيا (تركيا)." (12).
تبني عقيدة الصلب
إن الاضطراب الذي أحدثه الدفاع عن عقيدة التجسد لم ينجلي إلا بتبني عقيدة الصلب الباطلة و المبنية على أن الذي صُلب هو المسيح. و إلى حدود مجمع القسطنطينية (680م), حيث أقرًّ نهائيا المذهب, لم يكن يُدرّس للكاثوليك على مختلف أعمارهم أن إرادتين أو طاقتين انسجمتا في شخص المسيح. أمّا ببريطانيا العظمى فلم يستقر المذهب الكاثوليكي الروماني إلا في أواخر القرن السابع:
"لمّا دٌعِي إلى عقيدة التجسد, التي اعتُمدت في روما و القسطنطينية, في بريطانيا و أيرلندا بعد ذلك, كُرِّرت نفس الكلمات من طرف أولئك النصارى الذين كانت لغة شريعتهم اليونانية و اللاتينية" (13).
عدم وجود أي نص في الإنجيل يقر التجسد أو يوحي إليه
و ليس مفاجئا غياب أي ذِكر لعقيدة التجسد في العهد الجديد (الإنجيل). أما الفصل الذي يجزم بأن "الرب ظهر في الجسد" فهو مجرد تحريف: 
"قد يُفسّر هذا التعبير القوي بخطاب بولس (رسالة بولس الرسول الأولى إلى ثيموتاوس. الإصحاح الثالث. الآية 16.) (14) غير أن الأناجيل الحديثة تخدعنا. فالحرف O ( يعني "الذي") تحول في مدينة القسطنطينية في بداية القرن السادس إلى ‘’theos ‘’ (الرب): النص الصحيح, الذي لازال يظهر في الروايات اللاتينية و السورية, لا يزال موجودا سواء في فكر الآباء اليونانيين أو اللاتينيين. و هذا الغش, إلى جانب نص الشهود الثلاثة ليوحنا, كشفهما باقتدار السبر إسحاق نيوتن." (15).
لقد ظهرت عقيدة التجسد بشكل ضمني في الفصول الأولى لإنجيل يوحنا, لكن, كما يشير إلى ذلك الفاصل الزمني الكبير الذي كان ضروريا لبلورة هذه العقيدة, هذه الفصول تبقى بنفس الغموض الذي عليه العقيدة ذاتها. إن إنجيل يوحنا, المؤلَّف حوالي نصف قرن بعد وفاة بولس, قد كٌرِّس للفلسفة الأفلاطونية. لم يكتبه الحواري يوحنا, و هو إذن ليس تقريرا لشاهد عن حياة و تعاليم المسيح. و هو شديد الاختلاف عن الأناجيل الثلاثة الأخرى المحفوظة ذات الطابع الإجمالي, و أحيانا يتعارض معها. رغم ذلك, ادّعت الكنيسة الكاثوليكية أنه كلمة الرب التي أوحاها, و هو بذلك معصوم عن الخطأ. ثم إن هذا الإنجيل لا يحوي أيا من عبارات ”التثليث" أو ”التجسد”, لكن السلطة التي مُنحت للفكر الأفلاطوني دعّمت عقائد التثليث و التجسد, عقائد لم يدعو لها أبدا لا المسيح و لا حتى بولس.
في خضم هذا كله, ماذا حدث مع الناصريين؟
شكل الناصريون أغلب أتباع المسيح, و كان بينهم خواص حوارييه و تلامذته الأقربين. بعد رفع المسيح اجتذبت جماعته العديد من الناس و شكلوا جماعتين: واحدة في بيت المقدس تزعمها القديس يعقوب Santiago, و أخرى بأنتيوقيا تزعمها برنابي:
"بالنسبة لهم, كان ما علمهم المسيح هو الحقيقة, كل الحقيقة. لقد واصل برنابي و أتباعه الدعوة و تطبيق النصرانية التي تعلموها من المسيح نفسه". (16).
باتخاذهم المسيح قدوتهم, استمروا أوفياء لتعاليم موسى عليه السلام التي حافظ المسيح عليها: كانوا يقرون بتوحيد الله, يصلون في الكنس في الأوقات المكتوبة و يصومون كما صام المسيح. كانوا في كل سنة يخرجون العشر من ثرواتهم لصالح بيت مال مشترك و يوزعونه بعد ذلك بين أفراد طائفتهم. كانوا يحيون السبت, عيد القيامة و الأيام الحرم. كانوا يختتنون و يقدمون الأضاحي من الحيوانات التي أبيحت لهم و ذلك باسم خالقهم و على الوجه الذي شرعه موسى و المسيح. لقد كان المنهاج الكامل لسلوكهم موافقا لما جاء به النبيان. كان سلاحهم قوة شريعة موسى و النور الذي أهداهم المسيح, يعبدون الرب كما علمهم عيسى عليه السلام. قال جيبون عنهم: 
" إن الأساقفة الخمسة عشر الأوائل كانوا كلهم يهودا مختنين, وجمعت الصلوات التي ترأسوها بين شريعة موسى و عقيدة المسيح" (17).
اضطهاد الناصريين في القدس
كان الرومان و الأمميون لا يميزون بين الناصريين و اليهود. و تزامن ذلك مع حملة اضطهاد عام ضد اليهود تُوِّجت بتدمير معبد سليمان سنة 70 ميلادية. لقد قُتِل أغلب السكان اليهود ببيت المقدس و شاطرهم العديد من الناصريين نفس المصير. أما الذين نجوا فقد استقروا في بلدة بيلا (طبقة فحل) شمال غرب الأردن.
لما تقلد أدريانو منصب الإمبراطور, أنشأ مدينة جديدة على جبل صهيون سمّيت إلياء كابيتولينا. و قد حُددت عقوبات صارمة للغاية و توعد بالعذاب الأليم أي يهودي يتجرأ على الاقتراب منها. يقول جيبون:
"لم يجد الناصريون إلا سبيلا واحدا للتحرر من هذا المنع. فاختاروا مرقس ليكون مطرانهم, و هو أسقف من العنصر الأممي, أغلب الظن أنه ينحدر من إيطاليا أو من إحدى الأقاليم اللاتينية. بإشارة منه تخلى الجزء الأكبر من الجماعة عن شريعة موسى التي احتفظوا بتعاليمها لأكثر من قرن. بواسطة هذه التضحية بالأعراف و الامتيازات استطاعوا الحصول على الإذن بالدخول إلى مستوطنة أدريانو و وطدوا بصورة قوية اتحادهم مع الكنيسة الكاثوليكية". (18).
أما الناصريون الذين رفضوا هذا التوافق فقد اتًّهموا بالضلال و الشقاق. فبقي بعضهم في بيلا (طبقة فحل) و انتقل آخرون إلى القرى المحيطة بدمشق, أما الأكثرية فقد استقرت في حلب السورية:
و اعتبر اسم "الناصري" أسمى و أشرف من أن يطلق على هذه الشرذمة من اليهود المسيحيين, و سرعان ما أُطلق عليهم ما افترض فيهم من ضيق الأفق و ضآلة الإدراك, بالإضافة إلى حالتهم – الاسم الحقير المزري "الأبيونيون". (19).


اضطهاد الناصريين في روما
كان نفس الأسلوب من الاضطهاد في روما. حيث كانت جماعة تعرف باسم "الجليليون"Galileos, مكونة من الناصريين و الزيلوتيين الذين اتهمهم نيرون بالمسؤولية عن حرق روما و عذبهم عقابا لهم. و طُلب من الناصريين دفع الضرائب الباهظة التي كانت مفروضة خصيصا على يهود روما:
"ولما جاوز مأمور الدخل الحد و طالبوا بغير حق كثيرا من الأشخاص الغرباء على الدم اليهودي و الديانة اليهودية, كان من المستحيل على المسيحيين, و هم الذين كثيرا ما استظلوا بظل الكنيس, أن ينجوا بأنفسهم من الاضطهاد الوحشي الجشع. و كان حرصهم شديدا على اجتناب أية شبهة وثنية, فأبت عليهم ضمائرهم أن يسهموا في تكريم ذلك الشيطان الذي تقمص شخصية جوبتير في الكابيتولينا. و لما كانت فئة كبيرة, و لو أنها في طريق الاضمحلال, بين المسيحيين, ظلت ملتزمة بشريعة موسى, فإن جهودهم في ستر منبتهم اليهودي قد فضحها الاختبار الحاسم, ألا وهو الختان." (20).
عندما نقرأ ما تعرّض له الناصريون, و الذين اتبعوهم من بعد ذلك, من اضطهاد نتذكر الآيات التالية من إنجيل يوحنا:
"سيخرجونكم من المجامع, بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله". (انجيل يوحنا, الإصحاح 16. 2)
رب ضارة نافعة:
لقد كان للاضطهاد الأول للناصريين وقع كارثي عليهم, لكنه ساهم أيضا في توزيعهم على مجمل ربوع الإمبراطورية الرومانية. فإذا كان عددهم في البداية قليلا, فإن تعاليم المسيح وٌجهت للجميع مما ساهم في اتساعها على مجال واسع. لم تكن في البداية سوى جماعة أو جماعتين, أما الآن فقد زرعت بذور جماعات عديدة. بمحاولتهم تدمير الناصريين, قام المضطهِدون في الحقيقة بضمان استمراريتهم: "حافظت الجماعات التي أسسوها على نمط عيش المسيح. أولئك الذين استمروا في تطبيق تعاليم المسيح مرروا الكثير من علمهم مباشرة من شخص إلى شخص. السلوك تم تقليده و العقيدة انتقلت شفهيا. فاستمروا هكذا في الإيمان بتوحيد الله.” (21)
لما بدأ العهد يطول على زمن حياة المسيح, بدأ الناس في تدوين ما يذكرونه أو تعلموه عن حياته و تعاليمه. هكذا كان لكل جماعة صغيرة تلتف حول تلميذ للمسيح أو أحد حوارييه كتاب خاص بها. و من المعلوم وجود العديد من هذه الكتب: "في تلك الأيام الأولى, لا أحد من تلك الكتب لاقى قبولا قطعيا أو رفضا قطعيا. كان من سلطات قائد كل جماعة نصرانية الحسم في الكتاب الذي يتخذون. كان الأمر رهينا بمن الذي علّمهم, فكان لكل فرقة مصدر مختلف. فالذين احتدوا ببرنابي كان لهم مصدر و الذين اتبعوا بولس كان لهم آخر." (22)
بوفاة أتباع المسيح الذين عاصروه, تمّ اختيار تابعيهم من طرف جميع أعضاء الطائفة. هؤلاء الزعماء تمّ اختيارهم لاعتبارهم أفضل من يمكن أن يقود الطائفة لعلمهم و خوفهم من الله: " لا يملكون شيئا و يحتمل أنهم رفضوا السلطة و البهرجة التي تحيط الآن بتاج البابا الروماني أو تاج الأسقف الألماني" (23).
كانوا خدما لعباد الله. رغم ذلك, و مع مرور الوقت, أصبحت هذه الوضعية هدفا للذين يتطلعون للسلطة. فالكهنة و الأساقفة, كما سيطلق عليهم فيما بعد, انخرطوا بقوة في السياسة, خاصة بعد تأسيس المجامع الكنسية. لقد بدأت تظهر إلى الوجود نظام الطبقات الكنسي الذي هو بعيد كل البعد عن تعاليم المسيح. 
الخلط بين الناصريين "الرافضين لألوهية المسيح" و النصارى " المؤمنين بالنصرانية المحرفة".
لم ير الرومان بعين الرضا ظهور "أول كنيسة", فحاولوا التمسك بعبادة آلهتهم. خلال القرون الثلاثة التي تلت رفع المسيح, لم يكونوا يميزون بين الناصريين و النصارى التابعين لبولس. فكلمة ”نصراني" كانت تُطلق على أتباع المسيح و أيضا على اللذين اعتقدوا ألوهية المسيح. كان إعلان الرجل إيمانه بالله و رفض تقديم الاحترام لآلهة الرومان كافيا لإدانته. كان معرضا للسجن, لمصادرة الممتلكات, و للموت في غالب الأحيان. كتب جيبون عن هذا فقال: " إن سلوك المُضطهِدين قد نافى كل مبادئ الإجراءات القضائية. لقد أباحوا استعمال التعذيب ليس من أجل انتزاع اعتراف, و إنما لانتزاع نفي التهمة التي يحققون فيها". (24)
توجت السنوات الأولى لاضطهاد الناصريين بنشر ديوقليانو و كالينيو مرسوم سنة 303م. كانت المحاولة الأخيرة للقضاء على النصرانية. صودرت الكنائس, حُرقت الأناجيل و أصبح الناصريونخارج حماية القانون. سُمِح باضطهادهم و حُرموا من حق الدفاع عن النفس. عندما عُلِّق المرسوم لأول مرة على باب إحدى الكنائس, انتزعه ناصريفتم حرقه في الحين حيا على نار هادئة. لقد توجه الاضطهاد تحديدا إلى أولئك الذين عُرفوا كأتباع للمسيح, أما النصارى أتباع بولس فقد شرعوا في الانخراط في أجهزة الإمبراطورية الرومانية: " تحت حكم ديوقليانو, أخفى البلاط, مجالس القضاء و حتى الجيش, العديد من النصارى الذين حاولوا الجمع بين مصالحهم الآنية و مصالح الحياة الآخرة" (25).
ديانة بولس, التي لم تجد ترحيبا في البداية, وجدت شعبية لها بعد تدمير معبد القدس سنة 70م. و بعد القمع الهمجي لثورة اليهود سنة 132م لم يعُد أتباع بولس يتعرضون للاضطهاد بنفس القسوة التي كان يتعرض لها أتباع و موسى و عيسى. كان يُغض الطرف عنهم لأنهم لم يولدوا يهودا. قال جيبون: "لما نشأت المجتمعات العديدة الغنية في المدن الكبرى في الإمبراطورية: في أنطاكية, الإسكندرية, أفيسوس, كورنثة, روما, تقلص الاحترام الذي كانت أورشليم توحي به إلى المراكز المسيحية, و سرعان ما وجد اليهود المرتدون إلى المسيحية, أو كما سموا فيما بعد "النصارى" – نسبة إلى مدينة الناصرة و الذين وضعوا أساس الكنيسة – نقول وجدوا أنفسهم و قد طغت عليهم الجموع المتزايدة الذين انضموا تحت راية المسيح من مختلف مذاهب الشرك. و رفض الأمميون –بموافقة رسولهم الخاص – ثقل الطقوس الموسوية الذي لا يحتمل, و أبوا آخر الأمر لإخوانهم, الذين هم أكثر غيرة على الحق, نفس التسامح الذي تضرعوا هم في بداية الأمر من أجله. " (26).
القطيعة النهائية بين أتباع المسيح و أتباع بولس
هكذا, و بعد فترة وجيزة على رحيل المسيح عن العالم حدثت قطيعة نهائية و تدريجية بين من اتبعه و من اتبع بولس. لم تكن الفوارق بينهم فقط في نمط العيش و الاعتقاد, و إنما تمايزوا حتى جغرافيا. فبينما انتشرت النسخة البولسية من النصرانية في اليونان و منها في أوربا, توسع أتباع المسيح و تابعوهم عبر الشرق و الجنوب, و مع مرور الوقت, عبر شمال إفريقيا. تعاليم المسيح انتشرت كذلك في الشمال و اعتنقها القوط في النهاية.
كانت الكنيسة البولسية كلما وطدت دعائمها ازدادت عداءا لأتباع المسيح. لقد كان من المثير للشكوك و الجدل أن ينجوا بجلده من يؤمن بعيسى على أنه المسيح و يستمر في أداء تعاليم شريعة موسى. لقد نُبذ الناصريون من طرف اليهود باعتبارهم كفارا, و أدانهم النصارى البولسيون باعتبارهم مهرطقين مبتدعين. هكذا انفصلوا عن أتباع موسى و أتباع بولس. 
"لقد انخرطوا أكثر في صف زعماء الإمبراطورية الرومانية, أما الاضطهاد, و الذي كان في البداية يطال كل من يدعي أنه نصراني , أصبح الآن يطال فقط أولئك الذين يؤمنون بتوحيد الله" (27).
لقد تلاعب النصارى البولُسيون بتعاليم المسيح إلى درجة لم يعودوا يشكلون معها أي تهديد لأجهزة السلطة التي انضووا تحت لوائها.
هنا يبدوا لنا جليا أن تعبيرات مثل "النصارى الأوائل" و "كنيسة الأزمنة الأولى" ليست مناسبة. لقد استعملت هذه التعبيرات لإخفاء حقيقة عدم وجود جماعة واحدة و إنما جماعتين: الأولى جماعة من الناس سميت بالناصريين, آمنت بالمسيح و اتبعته, و جماعة أخرى من الناس سميت بالنصارى آمنت بالمسيح و اتبعت بولس. و حتى نميز بين أتباع بولس و أتباع المسيح فإننا سنطلق على الكنيسة التي أسسها أتباع بولس "الكنيسة الرسمية". 


الهوامش:
1- , Muhammed Ata Urahim :"Jesus, Prophet of Islam"
2- The Gospel of Barnabas
3- The Gospel of Barnabas
4- Cross, The Oxford Dictionary of Christianity, p 274
5- St Augustin, De Civitate Dei, 19.23
6- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 9
7- Le clerc, The Appostolic Fathers, p 84
8- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 12
9- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire IV, p: 418
10- نص الشهود الثلاثة هو ما جاء في رسالة يوحنا الأولى في قوله: ” فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الأب و الكلمة و الروح القدس. و هؤلاء الثلاثة هم الواحد". إنجيل يوحنا (1) 7/5).
فهذا النص الصريح في جعل الثلاثة إلاها واحدا, غير أنه غير موجود في سائر المخطوطات القديمة للكتاب المقدس, بل وغير موجود حتى في أول نص مطبوع, فقد أضيف لاحقا, و قد اعترف بإضافته علماء النصرانية و محققوها ومنهم هورن, و جامعو تفسير هنري واسكات, و آدم كلارك و فندر, و خلت ردود القديس أوغستين (ق4 ميلادي) من هذا النص على الرغم من مناظرته لفرقة إيرين المنكرة للتثليث, كما قد كتب عشر رسائل في شرح رسالة يوحنا لم يذكر في أيها هذا النص.
و قد حذفته النسخة القياسية المنقحة (RSV) من نسختها الإنجليزية, كما حذفته بعض التراجم العالمية, و ما يزال موجودا في غالب التراجم, و منها العربية, يقول بنيامين ولسن مترجم المخطوطات اليونانية: "إن هذه الآية التي تشمل على الشهادة بالألوهية غير موجودة في أي مخطوط إغريقي مكتوب قبل القرن الخامس عشر, إنها لم تذكر بواسطة أي كاتب إكليريكي (إغريقي) أو أي من الآباء اللاتينيين الأول حينما يكون الموضوع الذي يتناولونه يتطلب بطبيعته الرجوع إليها, لذلك فهي بصراحة مختلقة". (من مقال للدكتور منقذ بن محمود السقار بعنوان "الله جل جلاله واحد أم ثلاثة؟").
11- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire IV
12- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire VI, p: 10
13- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire VI, p: 55
14- "16 وبالاجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم اومن به في العالم رفع في المجد"
الانجيل. رسالة بولس الرسول الأولى إلى ثيموتاوس. الإصحاح الثالث. الآية 16.


15- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire VI, p: 10
16- Jesus, Prophet of Islam
17- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 119
18- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 120
19- إدوارد جيبون: "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية و سقوطها" الجزء الأول. ص 238. ترجمة محمد علي أبودرة
20- إدوارد جيبون: "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية و سقوطها" الجزء الأول. ص 303. ترجمة محمد علي أبودرة
21- Jesus, Prophet of Islam
22- Jesus, Prophet of Islam
23- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p.159
24- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 216
25- Gibbon, Decline and Fall of the Roman Empire II, p: 188
26- إدوارد جيبون: "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية و سقوطها" الجزء الأول. ص 237. ترجمة محمد علي أبودرة.
27- Jesus, Prophet of Islam
المرجع: كتاب "Historia del Genocidio de los Musulmanes, Cristianos unitarios y Judios en Espana"
لمحمد عطاء الرحيم و أحمد طومسون.
كتبه هشام زليم المغربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

header 1

/ربع

المشاركات الشائعة